الصحافة _ وكالات
توفي في السعودية، اليوم الخميس، الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، إثر صراع مع المرض. ولأكثر من 23 عاماً حكم بن علي تونس بقبضة من حديد، قبل أن يغادرها هارباً إلى ملجئه في السعودية يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011، إثر قيام ثورة الحرية والكرامة التي نادت بسقوط نظامه ومحاكمته.
واعتلى بن علي رئاسة تونس في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987، إثر انقلاب غير دموي على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، ليجعل من ذلك التاريخ حدثاً احتفالياً لنهاية فترة الحكم مدى الحياة وبداية طور الديمقراطية والتعددية، الشيء الذي جعل معارضي بورقيبة يستبشرون بنهاية حقبة الزعيم الواحد والحزب الوحيد.
وشغل الرئيس المخلوع منصب آخر رئيس لوزراء دولة الاستقلال زمن حكم بورقيبة، فلم يلبث أن تمكن من المنصب لشهر وحيد حتى حبك خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 1987 خيوط الانقلاب على الرئيس بورقيبة، الذي كان يصارع المرض والشيخوخة ليعلن عجزه الصحي عن أداء وظيفته.
وأحكم الجنرال قبضته الأمنية على تونس بعد إطلاقه وعوداً كثيرة للشعب وللمعارضين بالتعددية والديمقراطية، وسرعان ما انقلب على وعوده وأطبق في فترة وجيزة على خصومه السياسيين ومعارضيه، وخصوصاً من الإسلاميين، من خلال الردع الأمني والتصفية والاعتقالات، بحسب ما كشفته محاكمات دوائر العدالة الانتقالية المتخصصة، وبحكم شغله منصب مدير عام للأمن لفترة مهمة ومن ثمة وزير الداخلية لعام ونيف قبل اعتلاء منصب رئاسة البلاد، فقد تمكن من صنع جهاز أمني قوي وأحاط نفسه بجنرالات وقيادات يدينون له بالولاء.
لم تكن لبن علي مسيرة سياسية قبل اعتلائه الرئاسة، فطالما رافقته بزته العسكرية في مختلف المناصب التي تقلدها منذ تكوينه في صلب المدارس العسكرية الفرنسية، حيث حصل على دبلوم استخدام المدفعية من “سان سير” ثم من مدرسة “شالون سور مارن”، قبل أن يتدرب في المدارس العسكرية الأميركية ليحصل على دبلوم المدفعية الميدانية من “تكساس” ثم من المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن “بلتيمور”.
وخدم بن علي كملحق عسكري في المغرب وإسبانيا، قبل أن يشغل وظيفة المدير العام للأمن الوطني بوزارة الداخلية، كما عين أيضاً سفيراً بوارسو في بولندا ثم وزير دولة ثم وزيراً مفوضاً للشؤون الداخلية.
وولد الرئيس الأسبق الذي كان قد بلغ من العمر 83 عاماً في مدينة حمام سوسة وسط شرق البلاد سنة 1936، وتمكن من التدرج السريع في وظائف عسكرية مهمة بفضل حماه لزوجته الأولى الجنرال كافي، الذي دفع به إلى مدارس التكوين وقرّبه من دوائر الحكم والقرار ليصعد بسرعة بفضل دهائه إلى قصر الحكم.
وانحصرت تجربة بن علي السياسية في إدارة حزب “التجمع الدستوري الديمقراطي” الذي حلّ بعد الثورة، وتحول بفضل تداخل الحزب مع أجهزة الدولة إلى حزب الدولة بعد أن تغلغل التجمعيون والمقربون من النظام بحسب تقارير “هيئة الحقيقة والكرامة” في صلب مختلف دواليب الدولة وأجهزتها واعتلوا الوظائف المهمة والحساسة في مختلف الإدارات التي بنيت فيها التعيينات على الولاءات والقرابة والمحاباة.
وبنى بن علي حزب “التجمع” على أنقاض الحزب “الاشتراكي الدستوري”، الذي تأسس قبل الاستقلال من قبل بورقيبة وعدد من الشخصيات الوطنية، ليجعل منه الحزب الحاكم في تونس والمهيمن على الحياة السياسية إلى غاية سقوط نظام الحكم في 2011.
وأعيد انتخاب الجنرال في خمسة انتخابات رئاسية وبأغلبية ساحقة في كل الانتخابات الرئاسية التي جرت، وآخرها كان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2009، كما عمد إلى تعديل الدستور لإلغاء شرط السن عند الترشح للرئاسة، وطوع القانون وأجهزة الدولة والسلطات الثلاث بشكل قانوني مقنع ليحول من نظام الحكم إلى نظام رئاسوي ويمنح رئيس الدولة مطلق الصلاحيات في التعيين والتسيير.
وقضى بن علي ما بقي من حياته فاراً في ملجئه في جدة بالمملكة العربية السعودية التي قبلت إيواءه إثر قيام ثورة الياسمين، وكان ما لا يزال هارباً من أحكام قضائية تجاوزت 5 أحكام بالسجن المؤبد و207 سنة سجناً إلى جانب غرامات مالية تفوق 87 مليون دولار أميركي بحسب تقارير إعلامية.
وتقاسمت عائلة الرئيس نهب تونس طيلة سنوات، فبين عائلة الطرابلسي نسبة لزوجته الثانية ليلى الطرابلسي وأفراد عائلة بن علي نهبت من تونس أموال طائلة تم تهريب غالبيتها إلى الخارج، وأصبح جزء كبير منها أرصدة مجمدة سعت السلطات التونسية بعد الثورة إلى استعادتها ولكن لم تتوصل إلا إلى نزر قليل.
وانقطع التواصل مع بن علي منذ فراره في 2011، إلا من بعض الأخبار التي تصل في رسائل قصيرة أو تصريحات عبر محاميه أو صهره أو بعض الصور المنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأفراد عائلته.
وتناقلت تقارير إعلامية وتصريحات مقربين منه نبأ مرض بن علي وإقامته في إحدى مستشفيات السعودية لتلقي العلاج، في وقت أكد محاميه منير بن صالحة في تصريحات ذلك، مشيراً إلى أنه يرفض العودة إلى تونس أو أن يدفن بها.