الصحافة _ وكالات
التصريح الذي أدلى به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وحذر فيه إيمانويل ماكرون من الحرص على صداقة مصطنعة مع نظام العسكر في الجزائر على حساب العلاقات مع المغرب، يمثل خلاصة خبرة طويلة لهذا الرئيس الذي فهم جيدا طبيعة نظام الكابرانات ونبه مرارا وتكرارا إلى أن استغلال ريع الشرعية التاريخية المتجاوزة لا يمكن أن يسمح للنظام الجزائري بالتحرر من نزوعه العنيف وميله إلى السيطرة في محيطه وسعيه إلى انتزاع الزعامة الوهمية التي كانت دائما وراء تلويث علاقاته الخارجية التاريخية. ولعل نيكولا ساركوزي الذي أطلق هذا التصريح يدرك جيدا أن الرئيس الفرنسي الحالي يرتكب خطأ تاريخيا بإصراره على استمرار الجمود في العلاقات المغربية الفرنسية.
هذا الجمود افتعله هو قبل فترة عندما تعمد التطاول وفقا لما أورده الظاهر بنجلون في تصريح سابق، ولم يلتزم ببروتوكولات التعامل الرسمية مع جناب المملكة الشريفة، وزاد تعميق هذه الأزمة بالكثير من الإشارات والإجراءات من جانب واحد وكأنه يسعى إلى فرض إرادته الشخصية التي لا تتلاءم بالضرورة حتى مع المصلحة الوطنية الفرنسية. ومن مظاهر تورط إيمانويل ماكرون في الإساءة إلى العلاقات بين البلدين إصراره العجيب أيضا على تجاهل التحول الكبير الذي تعرفه القضية الوطنية وملف الصحراء المغربية منذ اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء. ماكرون يريد أن يعبر عن نوع من الاستقلالية التي لا طائل من ورائها فيما يخص اتخاذ موقف جديد من مغربية الصحراء.
عناده الشخصي لا أقل ولا أكثر يمنعه من مسايرة هذه التطورات والانخراط في اعتراف رسمي على غرار دول أخرى وازنة كإسبانيا وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة. من المفروض أن تكون فرنسا سباقة في هذا المضمار بحكم العلاقات التاريخية المميزة التي لطالما جمعتها بالمغرب. وبحكم أيضا المسؤولية المترتبة عن الحقبة الاستعمارية. فعلى الرغم من أن الصحراء المغربية كانت في الأصل مستعمرة إسبانية إلا أن المستعمر الفرنسي كان له دائما دور في تقسيم كعكة المستعمرات واختلاق النزاعات في منطقة الساحل والصحراء. ولا أدل على ذلك هذا النزاع الجديد الذي أشعله انقلاب النيجر الرافض للوجود الفرنسي واستغلال فرنسا لشعوب وثروات المنطقة.
إلى متى سيغلق ماكرون إذاً عينيه ويسد أذنيه لتجاهل ما يحدث من حوله؟ وهل سيكون له ترف هذا التجاهل بعد أن أصبح بحكم الدستور الفرنسي خارج دائرة المنافسة لولاية رئاسية جديدة؟ عليه أن يدرك أن فرنسا لا تحمل بأي حال من الأحوال أي رسالة إنسانية خاصة أو إرثا مميزا كما يروج لذلك تجار القيم من بعض التيارات الفرنسية. الولايات المتحدة الأمريكية تمثل عصب الليبرالية الحديثة والممارسة الديمقراطية العصرية ولم يمنعها ذلك من اتخاذ قرارها الجريء بالاعتراف بمغربية الصحراء. إسرائيل أيضا دولة ديمقراطية ما فتئت تقدم دروسا في التداول على السلطة ومع ذلك اعترفت بمغربية الصحراء. هذا يعني أن المبررات الواهية التي تقدمها بعض النخب الفرنسية لتأجيل هذا الاعتراف أضحت متجاوزة، لا سيما وقد تبين بالملموس أن أطروحة الانفصال كانت مجرد إيديولوجيا مصنوعة لغايات سياسية تقف وراءها الجزائر.
هذا الواقع أدركه جيدا 94 نائبا برلمانيا فرنسيا دعوا مؤخرا الرئيس الفرنسي إلى “إبداء موقف صريح من مغربية الصحراء”، مشددين على أن “المماطلة التي ينتهجها الرئيس ماكرون في ملف الصحراء المغربية، في ظل اعتراف دولي واسع بالموقف المغربي، على غرار ألمانيا وإسبانيا، يدفع الرباط إلى البحث عن شركاء جدد في المجال الاقتصادي والعسكري، وهو ما يتم حاليا بشكل واسع”. هذه القراءة السياسية الناضجة هي التي لا يريد ماكرون استيعابها، بل يرفض ربما ابتلاعها لأن القضية أصبحت في نظره مسألة عناد شخصي على ما يبدو. فهل يضحي بمصالح بلاده إرضاء لنزواته؟
المصدر: الدار