الصحافة _ وكالات
منذ الوهلة الأولى لاندلاع ثورات الربيع العربي، عملت أبوظبي بكامل طاقتها، لإجهاضها، وضرب المسارات الانتقالية الثورية، وتزعمت الثورات المضادة، في مسعى منها لإعادة المنظومات القديمة إلى سدة الحكم، والقضاء بشكل جذري على أحلام شباب الربيع العربي.
استخدمت أبوظبي في ذلك الدور كل الوسائل المتاحة لها، فأنشأت مليشيات مسلحة وتشكيلات موازية لضرب القوى الثورية، كما هو الحال في اليمن وليبيا، ودعمت بالمال المؤسسات العسكرية التقليدية ودفعتها للانقلاب على الثورات والقيام بثورات مضادة، كما حصل في مصر.
استخدمت، أيضا، أجهزتها الأمنية والاستخباراتية في التنكيل بالعناصر الثورية التي قادت التغيير وتبنّت خيارات الشعوب، لإحداث فوضى وحالة من عدم الاستقرار، كما سخّرت وسائل الإعلام لتبنّي خطاب الثورة المضادة، والعمل بالطاقة القصوى لتشويه المعسكر الثوري لشباب التغيير في الدول العربية، وتحميله تلك الحالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.
إلى جانب كل تلك الوسائل، عملت أبوظبي على استقطاب رجال دين وجماعات دينية، وجندتهم للعمل لحسابها، مستغلة مساحة التأثير التي حصلوا عليها في خلق وعي عام يتصالح وينسجم مع أجندتها ومشاريعها في المنطقة، فنفذ رجال الدين المهام المنوطة بهم، مستغلين مركزهم الديني في التحريض على خصوم الإمارات الرافضين لمشاريعها.
طرح رجال الدين خطابا دينيا يحرّم ويجرّم كل ما يتصل بالثورة وعناصرها، وشكّلوا إلى جانب ذلك مرتزقة لتنفيذ عمليات اغتيال للعناصر المحسوبة على قوى الثورة، كما عملوا على تنظيم أنشطة سياسية عمدوا من خلالها إلى تكوين وخلق وعي شعبي يستوعب الأجندة والمشاريع الإماراتية في تلك البلدان.
اليمن وهاني بن بريك
تبدو الحالة واضحة في اليمن، فمنذ سيطرة الإمارات على عدن، عملت على استقطاب رجل الدين السلفي هاني بن بريك، وجنّدته للعمل لحسابها، فقام الأخير بالعمل بشكل صريح مع الإمارات في جنوب اليمن، حتى أنه بات يصرح بولائه الكامل والمطلق للإمارات ومحمد بن زايد، وغدا يناديه بسيدي ومولاي ويضع صورته رمزا لحسابه على “تويتر” .
كان دور بن بريك واضحا في التحريض والتنكيل بالعناصر المحسوبة على الثورة من قوى حزب “الإصلاح”، والعناصر الرافضة للأجندة الإماراتية في الجنوب، وخاصة من رجال الدين الذين ينتمون للتيارين السلفي والإخواني، فحسابه على “تويتر” متفرغ للتحريض على تلك العناصر بأعلى المستويات.
وكانت محاضر التحقيق، قد كشفت تورط بن بريك ومسؤوليته عن 23 حالة اغتيال لأئمة وخطباء من مدينة عدن، كان أولهم الشيخ الراوي، وهو الأمر الذي لم ينفه بن بريك، بل نشر عقب تلك الأخبار تغريدتين قال فيهما: إنه “مستمر بمحاربة من سماهم الإخونج بالفكر والسلاح”، على حد قوله.
عمل بن بريك إلى جانب دوره في تصفية مناهضين للوجود الإماراتي، على تأسيس تشكيلات مسلحة من “الحزام الأمني”، موالية للإمارات، إضافة إلى ذلك، قام إلى جانب عيدروس الزبيدي، بتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يدعو للانفصال، بدعم من الإمارات، وتولى منصب نائب رئيس المجلس، وقام بدوره في الهجوم على الشرعية، في مقابل امتداح دور أبوظبي ومحمد بن زايد وما يقومون به في الجنوب.
ورفلي ليبيا
على غرار بن بريك في اليمن، جندت أبوظبي محمود الورفلي في بنغازي شرق ليبيا، فتحول من رجل دين سلفي، إلى قائد عسكري في وحدة عسكرية تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، رجل الإمارات الأول في ليبيا.
وعُرف رجل الدين السلفي الذي ينتمي للتيار المدخلي، الذي ينادي بالطاعة المطلقة لولي الأمر مهما كان وكيفما كان، بالتحريض ضد معارضين من الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
ونفذ الورفلي عمليات إعدام ميدانية وتصفية لمعارضين، بتهمة أنهم “خوارج وكلاب أهل النار”. وكانت محكمة الجنايات الدولية قد أصدرت مذكرة اعتقال في يوليو/تموز 2018، هي الثانية، بحق الورفلي، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مدنية بنغازي، شرقي ليبيا.
وقالت محكمة الجنايات، إن لديها أسبابا تدفعها للاعتقاد بأن الورفلي قام بنفسه “بقتل عشرة معتقلين بالرصاص خارج مسجد بيعة الرضوان في بنغازي في ليبيا” يوم 24 يناير/كانون الثاني 2018، مضيفة أنها ثامن واقعة من نوعها يُتهم فيها بالقتل كجريمة حرب.
وكان تقرير نشرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية، في فبراير/شباط الماضي، قد كشف أن حليف دولة الإمارات العربية المتحدة في ليبيا خليفة حفتر متهم بارتكاب جرائم حرب بما في ذلك قتل مدنيين وتشويه الجثث في مدينة درنة شرقي البلاد.
وبحسب تقارير، فإن الورفلي- الذي يعمل تحت إمرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر- يتلقى الدعم بشكل صريح من أبوظبي، و يقود تشكيلات مسلحة تعمل على الضد من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.
منابر إعلامية
مارس رجال الدين نشاطا إعلاميا عبر برامج تلفزيونية، تتفق والرؤية الإماراتية للثورات في المنطقة العربية، ومن بين أولئك الداعية الأردني الأصل وسيم يوسف، الذي عمل منذ 2012 في الهجوم على ثورات الربيع العربي، واتخذ موقفا مضادا من الثوار في كل البلدان العربية.
ودشنت مؤسسة الجفري مؤتمرات دولية، أهمهما “مؤتمر جروزني” في الشيشان، وهي ذات الرغبة التي تدعو إليها الولايات المتحدة، حيث دعا الخبير في سياسات الشرق الأوسط الأمريكي برنارد لويس إلى العمل مع الصوفيين، وترك العمل مع الوهابيين، كونه مخاطرة بالعمل مع الإرهابيين، على حد قوله، وأثنى الرئيس الأمريكي السابق في وقت سابق على النموذج للإسلام المنفتح واستشهد بعبارة لرجل الدين الموريتاني عبدالله بن بيه.
واستقطبت أبوظبي رجل الدين الموريتاني عبد الله بن بيه، الذي أسس بدعم منها “منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية” وضم عددا كبيرا من رموز الصوفية، وهاجم المؤسسات السنية التقليدية، منها مؤسسة الفتيا في السعودية المتمثلة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، داعيا إلى إعادة تثبيت سلطة المرجعية في الأمة، ما يعني تأسيس مرجعية جديدة للأمة بديلة عن الإسلام الحركي السني.
عملت أبو ظبي، إلى جانب ذلك، على دعم منظمة “مؤمنون بلا حدود” التي تنتشر في أكثر من بلد عربي، وتدعم الرؤية الإماراتية في تقديم إسلام بديل للإسلام السني الحركي، ويقدم نفسه كمرجعية بديلة للإسلام التقليدي في المنطقة العربية.
المصدر: الجزيرة