بقلم: محمد بوبكري
يرى ملاحظون جزائريون أن تاريخ الجزائر هو، بامتياز، تاريخ الانقلابات العسكرية التي عرفتها الجزائر. فمنذ ما سمي بـ”استقلال البلاد”، قام “هواري بومدين” و”أحمد بن بلة” بالانقلاب على رموز ثورة تحرير الجزائر، فاغتالوا بعضهم، واعتقلوا بعضهم الآخر، ما اضطر معه آخرون إلى اختيار المنفى ليحافظوا على ما تبقى لهم من حياتهم. ولما استتب الأمر لـ “هواري بومدين”، انقلب على “أحمد بن بلة”، واعتقله لسنين طويلة. ومنذ ذلك الوقت، انخرط حكام الجزائر في دوامة الانقلابات على بعضهم البعض إلى أن دخلت الجزائر في العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، حيث قام “الجنرال القايد صالح” بالانقلاب على الرجل القوي آنذاك “الجنرال توفيق محمد مدين”، واعتقله وقام بتوقيف كل أفراد عصابته، وفككها… لكن، سرعان ما قامت الدولة العميقة في الجزائر باغتيال “القايد صالح”، دون أن تكون لخلفه “السعيد شنقريحة” يد في ذلك، لأنه غبي، لا يمتلك الخيال والمؤهلات الفكرية للتخطيط لمثل هذا الأمر، ولا علاقات شخصية لتنفيذه. وما دام “القايد صالح” قد قام بتفكيك شبكة الجنرال القوي آنذاك “توفيق محمد مدين”، فإن الدولة العميقة التي اغتالته قد قامت بتفكيك عصابة “القايد صالح”، حيث يوجد اليوم في السجن ما يزيد على أربعة وثلاثين جنرالا، إضافة إلى مجموعة من العقداء والرواد والعمداء… وهذه وضعية شاذة، تفسر الصراع بين مختلف الجنرالات، حيث كلما اشتد عود جناح معين منهم، إلا وقام بتصفية الأجنحة الأخرى، التي تنافسه على السلطة في الجزائر. لذلك، يؤكد متتبعون جزائريون أن الصراع بين مختلف أجنحة جنرالات الجزائر يؤدي إلى الانتقام والانتقام المضاد بين هذه الأجنحة، كما أن هذا الصراع جعل مختلف أجنحة الجنرالات يرتبط كل واحد منها بقوة عظمى لكي يصل إلى السلطة ويتمكن من الحفاظ على نفسه فيها.
تبعا لذلك، فالجنرالات يضربون وحدة الجيش، بل إن إنشاءهم لدولة عسكرية جعلهم يضربون وحدة البلاد من حيث لا يدرون، لأن الدولة العسكرية تكون دوما مسيسة، ويؤدي هذا التسييس للجيش إلى تفتيته، وربما إلى اختفائه. وهذا ما سيضرب لوحدة الوطنية، ويفضي إلى تفتيت كيان الوطن، الأمر الذي لا يمكن أن يدركه جنرالات الجزائر. وللتدليل على صحة ما نقول، فإنه عندما اختفى الجيش العراقي نتيجة تسييسه، تبخرت معه الوحدة الوطنية، فتفتت الكيان العراقي، ودخلت مكونات المجتمع العراقي في تناحر أضعف العراق، حيث انعدم دوره، وشلت حركته. ويفيدنا التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط بأمثلة عديدة مشابهة. وهذا ما يعني أن حكام الجزائر لا يمتلكون حسا تاريخيا، ما جعلهم يتخبطون في الكثير من الأزمات نتيجة استعدائهم للعالم وحتى جيرانهم؛ فهم يمارسون السياسة الدولية بدفتر الشيكات، التي لم يعد لها أي مفعول اليوم، ما جعلهم يجرون وراءهم أذيال الهزائم.
وإذا كانت الدولة العميقة في الجزائر تدين بالولاء لفرنسا، فقد قام الجنرال “سعيد شنقريحة” بالانقلاب على هذه الدولة العميقة، حيث انخرط في إبعاد جنرالاتها، ومحاكمتهم واعتقالهم، لأنه يريد الاستمرار في التحكم في الجزائر، ما يدل على أنه له رغبة في القضاء على كل منافسيه على السلطة. وبذلك، فهو أدخل الجزائر في صراع المحاور، دون أن يعي عواقب ذلك؛ لقد انخرط في خدمة المصالح الاستراتيجية لكل من روسيا وإيران، إذ يؤكد خبراء دوليون أنه شكل معبرا لدخول روسيا إلى بلاد “مالي”، لأنه أدخل قوات “الفاغنر” الروسية إليها، كما أنه مستمر في مساعدتها على الدخول إلى دول الساحل وغرب أفريقيا، ما جعل العالم لا يثق بحكام الجزائر، حيث باتوا بدون مصداقية. لذلك، فمن المحتمل جدا أن يحدث انقلاب على هذا الرجل، حيث يؤكد خبراء كثر أنه قد وفر جميع شروط الإطاحة به قريبا. وعوض أن يتعظ جنرالات الجزائر، فإنهم لايزالون يسعون إلى الانقلاب على بعضهم البعض تشبثا بالسلطة، ويغيرون ولاءاتهم الخارجية بسرعة. وما يؤكد الصراع الدائر بينهم هو أن أقالوا ثمانية وأربعين سفيرا جزائريا في يوم واحد، ما يعكس شدة الصراع بينهم، وكراهية بعضهم للبعض الآخر، حيث افتضح أمرهم، وصاروا أضحوكة أمام العالم.
إضافة إلى ذلك، فأغلبية دول شمال أفريقيا تعارض السياسة الخارجية لجنرالات الجزائر، حيث رفضت دولة مصر الشقيقة التعاون مع “شنقريحة” ضد المغرب، فكانت زيارته الأخيرة إليها كلها فشل في فشل، رغم أنه عرض عليها شيكات مغرية، حيث أخبره مسؤولوها بأنهم لن ينخرطوا معه في أي عداء ضد المغربً؛ فهم لا يثقون بجنرالات الجزائر، لأنهم تآمروا عليهم في النزاع بين مصر وإثيوبيا في قضية سد النهضة، حيث مارسوا سياسة اللعب على الحبلين، فعملوا على تعميق الصراع بين هاتين الدولتين، ما جعل كل واحدة منهما تنأى بنفسها عنهم، وتتخلى عنهم، وترفض إغراءاتهم الخيالية. ولم يتوقف هؤلاء الجنرالات عند هذا الحد، بل عملوا على استقطاب حكام موريتانيا للعمل معهم ضد المغرب، واستعمال شمال موريتانيا أرضية للاعتداء على المغرب، لكنهم فشلوا في ذلك، رغم محاولات إغراء حكام موريتانيا بملايير الدولارات. وردا على سعي حكام الجزائر لجعل موريتانيا تنخرط معهم في عدائهم ضد المغرب، فقد قام المسؤولون الموريتانيون باقتناء رادارات متطورة لحماية حدودهم مع الجزائر ومراقبتها بشكل مستمر، وأنشأوا مركزا للقيادة في شمال البلاد حتى يتمكنوا من التحكم في أي اختراق لحدودهم من قبل الجماعات الإرهابية التي تحتضنها الجزائر، وتعمل على دفعها لخوض حرب بالوكالة عن الجنرالات، حيث صار المسؤولون الموريتانيون يدركون أن هدف حكام الجزائر من الدخول إلى شمال موريتانيا هو هدف مزدوج يرمي إلى الهجوم على المغرب واحتلال الشمال الموريتاني. فضلا عن ذلك، فحكام الجزائر لا يتوقفون عن التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا الشقيقة، حيث قاموا بإدخال قوات “الفاغنر” إليها. ورغم رفض المسؤولين الليبيين لها، فإن حكام الجزائر يصرون على بقائها في ليبيا. وقد نجم عن ذلك مساندة المسؤولين الليبيين للمغرب، حيث أعلنت مؤخرا وزيرة خارجية ليبيا عن تنازل ليبيا عن عضويتها في “مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي” لصالح المغرب.
تدل هذه الوقائع وغيرها على أن حكام الجزائر لا يتوقفون عن السير نحو تحقيق أوهامهم التوسعية، ولا يدركون ان العالم لم يعد يقبل بذلك، بل إنه سيتصدى لهم بالردع إذا أقدموا على أي خطوة في هذا الاتجاه. وتكفي الإشارة إلى ما تعرض له العراق الشقيق من ردود فعل صارمة بعد احتلال صدام حسين للكويت. هكذا، ولكن حكام الجزائر يعتقدون أنهم يعيشون في عصر الغاب، ما سيعجل برحيلهم، وربما بتفتيت الكيان الجزائري، الذي بات قابلا لذلك، حيث إن الشعب الجزائري يرفضهم، ويكافح من أجل التحرر من تحكمهم وجبروتهم المسلط عليه، والمتجلي في معاناة هذا الشعب من القهر والقمع والتجويع والعطش. ورغم محاولة هؤلاء الحكام تلفيق تهمهم الكاذبة إلى المغرب، فإن الشعب الجزائري صار يعي أن الجنرالات هم المسؤولون عن أوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية المأساوية، حيث أعلن عن عدم ثقته بهم، ما دفعه إلى المطالبة بدولة مدنية ديمقراطية حديثة…
هكذا، فقد صارت الظروف الداخلية والخارجية تصب في اتجاه ترحيلهم، وتغيير نظام العسكر بنظام مدني ديمقراطي…