الصٌحافة _ جمال اسطيفي*
قد نتفق على أن العشرين سنة التي مضت من حكم الملك محمد السادس شهدت تطورا لافتا على مستوى البنية التحتية الرياضية في المغرب، سواء على مستوى الملاعب أو الحلبات أو ملاعب التدريب.
وقد نتفق أيضا على أن أكثر ثلاث رياضات شعبية استفادت في هذه الفترة هي كرة القدم وألعاب القوى والملاكمة.
وقد نتفق كذلك، على أن المغرب احتضن مجموعة من التظاهرات الرياضية وأصبحت لديه قدرات تنظيمية مهمة ، الأمر الذي يفسر مواصلة حلمه لتنظيم كأس العالم، حيث نافس في دورة 2026 الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد نتفق أيضا على أن أهم حدث تعلقت به الأنظار ورسمت عليه آمال كبيرة ليساهم في إحداث نقلة نوعية في الرياضة المغربية هو المناظرة الوطنية الثانية للرياضة بالصخيرات التي نظمت في 24 و25 أكتوبر 2008، وتحديدا بعد أولمبياد بكين.
وإذا كان هناك شبه اتفاق على أن البنية التحتية الرياضية في المغرب قد تطورت كثيرا، إلا أنه على مستوى النتائج الرياضية فإن المقياس الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في هو الألعاب الأولمبية.
وفي هذا الإطار، فإن المغرب وفي 20 سنة، أي في خمس دورات أولمبية لم يحصل إلا على 12 ميدالية، ضمنهما ذهبيتين فقط، وكان قد حصل عليهما البطل الأسطوري هشام الكروج في أولمبياد أثينا باليونان 2004، وللمفارقة فما حصلناه عليه في 20 سنة، أقل بكثير مما حصل عليه بلد إفريقي هو كينيا في دورة واحدة، وتحديدا في دورة ريو دي جانيرو 2016 التي انتزع فيها هذا البلد 13 ميدالية ضمنها 6 ذهبيات و6 فضيات وبرونزية، الأمر الذي بوأه المركز 15 في سبورة الميداليات.
وإليكم نتائجنا في الدورات الخمس الأخيرة، أي في عشرين سنة من حكم الملك محمد السادس، لقد حل المغرب في أولمبياد سيدني 2000 في المركز59 عالميا بخمس ميداليات فيها 4 فضيات وبرونزية، ثم حل في دورة اليونان 2004 في المركز 34 بفضل ذهبيتي هشام الكروج وفضية حسناء بنحسي، وجاء في دورة 2008 ببكين في المركز 65 بفضية وبرونزية، أما في دورة 2012 بلندن فحل المغرب في المركز 79 بعد أن حصل على برونزية فقط، وهي البرونزية التي سيحصل عليها أيضا في دورة ريودي جانيرو 2016 التي احتل فيها المركز 78.
هذه الحصيلة في الواقع مخيبة للآمال، لكن ثمة أسباب عديدة لذلك، من بينها أن الرياضة في هذه المرحلة لم تكن ضمن دائرة الاهتمام، فقد كانت هناك أولويات أخرى، ورغم أنه كان هناك هامش كبير للعمل الذي كان من شأنه أن يغير واقع الحال، فإن رياضتنا ظلت حبيسة التجاذبات ورهينة لوزراء شباب ورياضة أغلبهم جاؤوا بدون رؤية وفكر واستراتيجية عمل، وكل همهم أن يمضوا أطول فترة، وألا تطالهم لعنة هذه الوزارة.
أكثر من ذلك فإن التصريح الحكومي الأخير لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني مر على الرياضة مرور الكرام، بل وتحدث عن تنزيل الاستراتيجية الوطنية للرياضة، دون أن يكشف عن هذه الاستراتيجية ولا من وضعها ولا متى وكيف، ووجدنا أنفسنا أمام خطاب إنشائي لا يقدم ولا يؤخر، ويكشف عدم فهم للقطاع وحاجياته وأولوياته!!
وحتى عندما نظمت المناظرة الوطنية الثانية للرياضة وتم تعزيزها برسالة ملكية، وتم تشخيص الأعطاب بدقة ووضع “خارطة طريق” المرحلة المقبلة، فإن كل شيء سيتم وضعه في “الثلاجة”، وحتى وزيرة القطاع آنذاك نوال المتوكل التي أشرفت على المناظرة تم إبعادها، وجيء بالوزير منصف بلخياط، الذي كان منشغلا ب “البوز” والاضواء أكثر من انشغاله بما سيعود على الرياضة والبلد وشبابه بالنفع !!
أما المثير أكثر، فهو أن أعطاب منظومتنا القانونية زادت، مع خروج قانون 30/09 إلى حيز الوجود، واستمرت الصراعات الشخصية وحرب المواقع داخل الجامعات الرياضية والتدخلات التي جعلت مثلا رئيس أهم جامعة في المغرب وهي كرة القدم، رهينة بيد من يفتون عليه القرارات، والتي عليه أن يجد الوسائل لتنزيلها والدفاع عنها لو اقتضى الحال.
لقد كان أهم ما تحقق في العشرين سنة الأخيرة هو تعزيز البنية التحتية الرياضية، لكن هذه البنية التحتية في حاجة إلى تطوير وتعميم وإلى نتائج رياضية، و مشاريع فعلية لصناعة الأبطال، فالمغرب يمكن أن يكون برازيل إفريقيا، خصوصا أن موارده البشرية غنية والشغف الرياضي بلا حدود، لكنه يفتقد للأسف لأهم عنصر وهو الحكامة في تدبير شأنه الرياضي.
ولقد عشنا في هذا الإطار تجربة لجنة رياضيي الصفوة التي رصد لها غلاف مالي يصل إلى 33 مليار، لكن بدل أن يتم استثماره بشكل جيد، فإنه تم صرفه على شكل مستحقات ورواتب وسفريات، دون أن يتحقق أي شيء.
رياضتنا في حاجة إلى أن لا تظل رهينة وزراء أغلبهم بدون سلطة أمام بعض رؤساء الجامعات.
الرياضة في المغرب تحتاج إلى أن تخرج من عباءة وزارة الشباب والرياضة وأن يتم تشكيل مجلس أعلى للرياضة.
رياضتنا تحتاج إلى منظومة قانونية قوية وليس معطوبة، تحدد بدقة اختصاص المتدخلين في المجال، حتى لا يتفرق دم المسؤولية بين القبائل.
رياضتنا تحتاج إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى لا تتحول إلى وسيلة للاغتناء السريع لدى البعض، أما الأهم من كل ذلك، فهو حاجتها إلى إرادة سياسية معبر عنها، وانتقال سريع من القول إلى الفعل..
*جمال_اسطيفي: صحفي بجريدة “المساء”.