الصحافة _ الرباط
نشر الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية مقالاً مطولاً ينتقذ فيه ظاهرة الترحال السياسي عشية الإنتخابات المقبلة، وشن من خلالها هجوماً عنيفاً على حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيسه عزيز أخنوش، وفيما يلي نورد نص المقال:
من غير المنطقي أن يرفع حزب سياسي شعار “البديل المنتظر”، ويقول إنه جاء بمشروع جديد ورؤية جديدة وغيرها من الشعارات ثم تجد لائحة مرشحيه كلها نتاج ترحال من أحزاب أخرى، وبمرشحين سبق أن تقلدوا المناصب والمهام الانتدابية في أحزاب أخرى وتم استقدامهم للحزب بجميع الطرق، فأي جديد سيأتي به حزب يحطب في الليل بجمعه لكل الوجوه القديمة من أجل برنامج يقول إنه جديد؟! ما جديد حزب تحول إلى فضاء لهجرة موسمية بشكل فلكلوري دون أي امتداد سياسي ولا ضرورة فكرية ولا عمق نضالي؟
“البروباغندا” الزرقاء
حزب الأحرار الذي بنى “بروباغندا” خطابه السياسي على أساس أنه بديل جديد برؤية جديدة وبكفاءات جديدة، كان بالمناسبة حاضرا في التدبير العمومي، خاصة الحكومي منه، حيث قضى الـ 20 سنة الماضية وهو يترنح بين الوزارات الاستراتيجية متقلدا المسؤوليات والمهام، غير أنه يخرج اليوم بوعود حالمة تبشيرية عن ثورة تنموية يتنكر فيها لحضوره الممتد عبر التاريخ في الحكومة، بل ويتنكر لمشاركته الحالية فيها، بل تكاد تشك من فرط الزّرقة الفاقع لونها، ومن “تخمة” “الماركوتينغ” أنك أمام حزب جديد أسس للتو بكفاءات جديدة، فصار، بسبب حماس البدايات، يفرق الالتزامات والعهود والوعود يمنة ويسرة.
الحزب الأزرق، وعوض أن يبين أنه حزب كفاءات أصيلة كما يدعي، لم يجد حلا غير استقدام مرشحين حزبيين آخرين سبق أن تقلدوا المهام والمسؤوليات لتنفيذ ما يقول إنه برنامج جديد!!، فهو لا يملك لا فضاء نضاليا للتكوين ولا وقت لديه لفعل ذلك، ليسلك الطريق الأسهل، أي تحويل الانتخابات المقبلة لـ”ميركاتو صيفي” على غرار ما نشاهده في العادة في دوريات كرة القدم، حيث تتحول مرحلة الصيف الى فرصة لانتداب لاعبين من فرق مختلفة، هكذا، وبنفس الطريقة قام الحزب الأزرق بتجميع كتيبة من المرشحين بألوان سياسية مختلفة وبمرجعيات بعضها متناقض داخل الحزب لدخول غمار الانتخابات!!
ضامة بالبخوش
سبق لسعد الدين العثماني، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن شبه السياسيين المرتحلين من حزب إلى آخر، خاصة مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، بـ “أسراب الطيور المهاجرة”.
وجاء ذلك أثناء مشاركته في مهرجان خطابي نظم منتصف الشهر الماضي بمدينة خريبكة، حيث يرى أن مجموعة من السياسيين يغيّرون أحزابهم باستمرار، لأنهم لا يعملون من أجل تحقيق مصلحة البلاد.
وأوضح العثماني، أن من ينتقل من حزب إلى آخر يبحث عمن يجعله وكيل لائحة، أو يوافق على ترشيحه، أو “يدير ليه خاطرو”.
وأشار الأمين العام لـ”البيجيدي” إلى أنه “ليس عيبا تغيير الانتماء الحزبي إذا لم يجد المرء نفسه في حزب ما، لكن حين تجد في بعض الدوائر خمسة رؤساء مثلا قيل لهم في وقت سابق أن ينتموا إلى حزب كذا، والآن عليكم الانتقال إلى حزب كذا وكذا، فهذا لعب”.
وتابع العثماني، قائلا: إن هذا الترحال الكبير يشبه “أسراب الطيور المهاجرة في مجموعات، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة لعبة “ضامة بالبخّوش”، التي لا أساس فيها ولا معنى، إذ أن اللاعب يضع البيدق هنا فيطير إلى مكان آخر لأنه بخوش”.
مشكلة أخلاقية
وفي هذا الإطار، قالت بثينة قروري، عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إن الترحال السياسي بالمغرب، هو في الأساس مشكلة ثقافية وأخلاقية مرتبطة بهشاشة قيمة الالتزام الحزبي والسياسي التي تطبع العلاقة القائمة بين بعض الأحزاب والمنخرطين فيها، وتفشي قيم الارتباط المصلحي والانتهازي المرتبط بطبيعة الظرفية السياسية وتقلباتها، في ظل فضاء سياسي مازال يشتغل بآليات الزبونية والريع السياسي .
وأعربت قروري عن آسفها لوجود أحزاب سياسية تنتعش وتزدهر من خلال الترحال السياسي، عن طريق جلب الأعيان ومن لهم حظوظ للظفر بمقعد برلماني.
وسجلت قروي، أن أساس وجود هذه الأحزاب السياسية واستمرار تمثيليتها في المؤسسات يقوم على الترحال، موضحة أن مشكل هذه الأحزاب مرتبط كذلك بإشكال نشأتها الذي ارتبط باستقطاب أفراد من أحزاب أخرى مع كل محطة انتخابية مستغنية بذلك عن القيام بوظائفها في التأطير والتكوين وصناعة النخب الحزبية.
خيانة الثقة
من جهته، أكد عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن ظاهرة الترحال السياسي تقتضي أولا التوفيق بين الحرية والالتزام، مبينا أنه “إذا كان للمنتخب الحق أن يغير انتماءه فهو عندما يتعاقد مع ناخب بناء على عقيدة سياسية معينة ويتحول إلى عقيدة أخرى، هنا يثار إشكال، فهو بهذا السلوك يخون ثقة الذين صوتوا عليه”.
وأوضح العلام أن المشكل الذي يقع في المغرب، أن الإيديولوجيات والعقائد السياسية تكاد تكون منعدمة، فالأحزاب السياسية تتشابه فيما بينها ويصبح السياسي يتحايل على القانون، لأنه يعلم جيدا أن تغيير انتمائه السياسي يجعله يحرم من الترشح لولايتين قادمتين، وعلى هذا الأساس يلجؤون إلى حيلة تقديم الاستقالة .
الفراغ القانوني
ولفت العلام، إلى أن هناك فراغا قانونيا في هذا الإطار يمكن تداركه، من خلال منع المترشح الذي قدم استقالته في أخر الولاية من الترشح للولاية اللاحقة، مادام أنه لا يتوفر على عذر حقيقي.
وأضاف أنه “على المشرع أن يتدخل بموجب القانون لمنع هذه الاستقالات التي تكون في آخر مدة الانتداب، لأن الغاية منها هي التحايل على القانون، حيث يتم عبرها توظيف ورقة الاستقالة التي تخول له الترشح باسم حزب أخر، مشيرا إلى أن هؤلاء “الــترحاليون” انتبهوا لهذا الفراغ القانوني وهذا ما أدى إلى تقاطر الاستقالات على مجلس النواب والمستشارين والمحكمة الدستورية.
خيانة العهد
وفي نفس السياق، أكد أحمد بودراع، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن العملية الانتخابية تعتبر بمثابة عهد بين الناخب والمنتخب، مبينا أن “المرتحل السياسي” عندما يبدل وجهته السياسية ، يكون بذلك قد خان الأمانة والعهد الذي يربطه بينه وبين الناخب.
وأوضح بودراع أن ظاهرة الترحال السياسي متجذرة في الواقع السياسي المغربي، وتعني أن نائبا معينا أو منتخبا معينا، قد يصوت عليه ناخب في فترة زمنية معينة لكن بمجرد أن يتسلم المنصب يغير لونه السياسي والهيئة التي باسمها ترشح، موضحا أن هذه الظاهرة سلبية جدا في واقع سياسي لم تتجذر فيه الديمقراطية .
أسباب تغيير اللون السياسي
وحول أسباب هذه الظاهرة غير الخلاقة، أشار أستاذ القانون العام، أن ظاهرة الترحال السياسي لها عدة أوجه وعدة أسباب مرتبطة بالمواطن في حد ذاته، لأن المواطن يمنح صوته وثقته للمنتخب، حتى ولو غير لونه السياسي، وهذا يطرح مستوى الوعي السياسي للمواطن، ويطرح معه سؤال تجذر ثقافة المواطنة والديمقراطية .
وتابع أن “هناك مسألة أخرى مرتبطة بالأحزاب السياسية، فعندما نتحدث عن ظاهرة “الترحال السياسي”، فنحن أمام ظاهرة ينتفع بها “المرتحل السياسي”، والحزب السياسي، مبينا أن حزب الاستقبال يوافق على هذا الترحال السياسي لهذا المنتخب، ومن طبيعة الحال، هناك نوع من “البرغماتية” والنفعية السلبية التي يمكن أن تدخل في ما هو سياسوي وليس سياسة.
واعتبر بودراع، أن أحزاب “الاستقبال”، لا تستقطب النخب السياسية ولا الكفاءات ولا الرموز السياسية، بقدر ما تستقطب بعض المشتغلين في العمل السياسي، ولديهم تاريخ وارتباطات قوية وخزان انتخابي، مضيفا أن هناك منافع متبادلة بين المرتحل السياسي وحزب الاستقبال، بعيدة عن الديمقراطية والعمل السياسي النظيف والنبيل .