بقلم: محمد بوبكري
يرى بعض الملاحظين أن الجزائر ليس فيها نظام سياسي بمفهومه السليم، وإنما هناك جهاز قمعي متسلط على البلاد وشعبها، حيث ليست هناك مؤسسات ذات شرعية، ولا فضاء عمومي، ولا حريات، ولا حقوق…، وإنما هناك أجهزة مخابراتية تقمع الشعب وتزرع الإرهاب في نفوس الجزائريين. كما أن حكام الجزائر يمارسون التهميش والاقصاء، الأمر الذي يتجلى في نزعتهم العنصرية، التي تكرس الجهوية المؤدية إلى تجزئة الكيان الجزائري وتفتيته… كما أنهم يحتقرون كل الجماعات الجزائرية التي ليست من أصول عربية إسلامية…
أضف إلى ذلك أنهم لا يحترمون الثقافات واللغات غير العربية الإسلامية، حيث لا يعترفون بالثقافات والفنون والموسيقى والأهازيج وأطباق الطبخ التي تعبر عن ثقافة غير الثقافة العربية الإسلامية. لذلك، ونظرا لكون العلم الأمازيغية يشكل تعبيرا عن اللغة والثقافة والفنون الأمازيغية، فإن الجنرالات يعتبرونه علما أجنبيا، لا جزائريا، حيث قام “الجنرال القايد صالح”، ذات يوم في سنة 2019، برد فعل على المسيرات التي حمل فيها المشاركون في الحراك الشعبي آنذاك العلم الأمازيغي: إن هذه الراية أجنبية. يجب منعها، واعتقال كل الذين يتمسكون بها. وهذا ما دفع الجنرالات إلى قمع الشعب “القبائلي” باستمرار، ما ينم عن غرقهم في عنصرية متطرفة، ترفضها القوانين والمعاهدات الدولية… هكذا، فإن عداء الجنرالات للغة والثقافة الأمازيغية تدل على نزعتهم العنصرية التي يمكن أن تعصف بالوحدة الوطنية الجزائرية. وهذا ما يفند ادعاء هؤلاء الجنرالات الدفاع عن اللحمة الوطنية، ما يفيد أنهم منخرطون في تفتيت الوحدة الوطنية، لأنهم لا يقيمون لمفهوم “المواطنة” أي اعتبار.
إضافة إلى ذلك، نلاحظ أنه عندما قام جزائريون أحرار في بلاد المهجر بمساندة الحراك الشعبي السلمي، ولما تم منعه في أغلب المناطق الجزائرية من قبل الجنرالات ومخابراتهم، نقل هؤلاء الأحرار الحراك الشعبي إلى شوارع مختلف عواصم البلدان الأوروبية، الأمر الذي فضح الممارسات القمعية لحكام الجزائر وعنفهم ضد الجزائريين. وهذا ما دفع هؤلاء الحكام إلى وصف هؤلاء الأحرار بكونهم “مخربين”، و”عملاء لقوى أجنبية تعادي الجزائر”، والحال أن عدد الجزائريين المقيمين بالمهجر يبلغ 6 مليون جزائري؛ وهم يبعثون بالعملة الصعبة إلى أهاليهم في الجزائر، ما يدل على أنهم يلعبون دورا اقتصاديا واجتماعيا في وطنهم الأصلي. وانتقاما من هؤلاء الجزائريين الأحرار، لجأ حكام الجزائر إلى السعي الى اتخاذ قرار حرمان هؤلاء الأحرار من الجنسية الجزائرية، علما أن أغلب الجنرالات وذويهم يتوفرون على جنسيات غربية عديدة، حيث لهم أرصدة بنكية واستثمارات في الخارج، الأمر الذي يؤكد أنهم لا يثقون في وطنهم، ولا في مستقبله. لذلك، فهم لا يتوقفون عن نهب أموال الشعب الجزائري وتهريبها إلى الخارج، ما أفقر الجزائر، وجعلها بدون حاضر، ولا مستقبل. لذلك، أليس هذا عمل يعادي الوحدة الوطنية؟
ونظرا لتخوفهم من الرأي العام الدولي، فإن حكام الجزائر لم يتمكنوا من تطبيق قرار سحب الجنسية من الجزائريين الأحرار المقيمين بالمهجر. لذلك، ألا يشكل قرار حرمان هؤلاء الجزائريين الأحرار، المقيمين بالمهجر من الجنسية الجزائرية، قرارا عنصريا؟ ألا يستهدف هذا القرار الجالية ” القبائلية”؟ ألا يعمل حكام الجزائر على فصل سكان منطقة “القبايل”؟ ألم يقم سكان هذه المنطقة بمقاطعة ” الانتخابات الرئاسية” والاستفتاء على “الدستور” و”الانتخابات التشريعية” الاخيرة؟ ألم يدفعهم عنف الحكام وتسلطهم إلى هذه المقاطعة؟ ألا يشكل ذلك فصلا لمنطقة “القبايل” التي ناضلت من أجل تحرير البلاد والبناء الديمقراطي للدولة والمجتمع الجزائريين؟ ألا تؤدي سلوكات هؤلاء الحكام إلى ضرب الوحدة الوطنية الجزائرية؟
فوق ذلك، ألم يقم حكام الجزائر باتهام حركتي “الماك” وحركة “رشاد” بالإرهاب؟ ألم يصدروا مذكرة دولية لتوقيفهم؟ لكنهم لم يفلحوا في ذلك، لأن القوانين الدولية تمنع توقيفهم، وتعتبرهم مناضلين من أجل الديمقراطية ومعارضين سياسيين. ألا يشكل هذا عدوانا وعنصرية يمكن أن يؤديا إلى ضرب الوحدة الوطنية؟
علاوة على ذلك، فإن الشعب الجزائري صار على وعي بمؤامرات العسكر ضده وضد الوطن معا، فأبدع هذا الشعب الحراك الشعبي السلمي. للاحتجاج على حكم الجنرالات، والمطالبة برحيله من اجل إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة…
إن الجنرالات يعملون بعنفهم على دفع الحراك إلى ردود فعل عنيفة، لأنهم يرغبون في مواجهته بلغة العنف، لأن سلمية الحراك عرت تسلطهم وعنفهم وجبروتهم محليا وجهويا وعالميا. لقد بات أكيدا أن الجنرالات يبحثون عن إعلان حرب على الشعب الجزائري، ويعملون على تصدير المشاكل الداخلية للجزائر نحو الخارج بهدف التغطية عليها، وعلى عنفهم ضد الشعب الجزائري.
وما زاد من سعارهم هو فشلهم هم وحلفاؤهم أمام المغرب، حيث أنفقوا جبالا من الملايير من أجل إضعافه وإلحاق الهزيمة به، لكن المغرب استطاع، بفضل حكمته، شق طريقه الخاص به ليتحول إلى قوة إقليمية مهمة قادرة على رفع التحديات. هكذا، فقد بدر حكام الجزائر أموالا خيالية بدون أية نتيجة، حيث تبخرت الملايير، ما أصابهم بضرب من الجنون، جعلهم ينخرطون في ردود فعل طائشة، قد تؤدي إلى انهيار الكيان الجزائري، وانتحارهم في الآن نفسه…