بقلم: محمد بوبكري
منذ عودة الحراك الشعبي السلمي وجنرالات الجزائر يعملون على زرع الألغام في المجتمع الجزائري بغية تقسيمه؛ وهذه سياسة الضعفاء، لأن تقسيم المجتمع يؤدي إلى إضعافه، فينجم عن ذلك إضعاف الدولة، إذ إن ضعف الدولة كامن في ضعف المجتمع، ولا تكون الدولة قوية إلا إذا كانت تنهض على مجتمع قوي ومتماسك.
لقد لجأ جنرالات الجزائر إلى استعمال العنف والتوقيف والاحتجاز والمحاكمات والاعتقالات لمنع الحراك في المدن وجعله منحصرا فقط في منطقة “القبايل”، ما يؤكد على رغبة هؤلاء في تقسيم الشعب الجزائري. لكن لحسن الحظ، فإن منطقة “القبايل” لها رصيد تاريخي نضالي كبير في عهدي الاستعمار والاستقلال، ما جعل الحراك الشعبي السلمي ينتقل إلى هذه المنطقة المكافحة، التي تحولت إلى عاصمة له، حيث توحد في أحضانها الشعب الجزائري. وهكذا أكدت هذه المنطقة من جديد أنها إسمنت الوحدة الوطنية الجزائرية، فقد تحولت إلى ساحة للنضال الوحدوي الذي يرفضه النظام العسكري، فتحولت إلى أرض الحريات والديمقراطية…
وفي مقابل ذلك، لقد قامت مؤخرا مجلة “لوبوان Le Point “اليمينية الفرنسية بإجراء استجواب مع “عبد المجيد تبون” من أجل تلميع صورة نظام العسكر… وجدير بالذكر أن لهذه المجلة سمعة سيئة في مختلف الأوساط الجزائرية، حيث سبق لها أن انخرطت بقوة في حملة لصالح “عبد العزيز بوتفليقة” من أجل أن يستمر رئيسا لعهدة خامسة، فمارست التضليل عبر ترويج دعاية كاذبة لصالحه، مفادها أن “بوتفليقة” استطاع أن يبعد العسكر عن الحياة السياسية؛ إذ فرض عليهم العودة إلى ثكناتهم… وإذا كانت هذه المجلة تروم من خلال هذا الاستجواب القيام بتلميع صورة “تبون” وجنرالاته، فإن البرلمان الفرنسي قد قام، في نفس الأسبوع، بالإعلان عن مساندته للشعب الجزائري، حيث طالب حكام الجزائر بإطلاق سراح معتقلي الرأي واحترام الحريات…
ومن الغريب أنه في الوقت الذي تستمر فيه انتفاضة الشعب الجزائري ضد نظام العسكر، الذي تطالب برحيله، قال “تبون” في هذا الاستجواب: “إن الحراك قد انتهى…”، ما خلف انطباعا بأن بإمكان هذا الشخص أن يقرر في شأن نهاية الحراك، وقد ردت الأستاذة “نبيلة إسماعيل” على هذا الزعم ردا قويا بقولها: “الحراك سينتهي عندما يرحل النظام”. ويبدو أن غباء “تبون” قد حال دون إدراكه أن الحراك فكرة من إبداع شعب عانى كثيرا، وهذا ما جعل هذه الفكرة تتحول إلى قضية مصيرية؛ أفضت إلى حركة سياسية طوفانية، انخرط فيها الشعب الجزائري موحدا من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة. وهذا النوع من القضايا التي تحملها حركة اجتماعية سياسية لا يمكن أن ينتهي بناء على رغبة “تبون” وأسياده الجنرالات، فليس الحراك ملكا للعسكر، وإنما هو ملك للشعب الجزائري الذي أبدعه وحوله إلى حركة تاريخية تناضل من أجل الحرية والديمقراطية…
لقد برهن الحراك الشعبي بسلميته على تشبثه بالوحدة الوطنية التي تجسدت من جديد على أرض “القبايل” من خلال المسيرات الوطنية الأخيرة التي عرفتها هذه المنطقة. وهذا ما يؤكد تمسك الحراك الشعبي بوحدة الوطن. وعلى عكس ذلك، فقد اجتمع مؤخرا “صبري بوقادوم وزير الخارجية الجزائري” مع نظيرته الإسبانية، حيث عقدا معا ندوة صحفية صرح في نهايتها “بوقادوم” مخاطبا نظيرته الإسبانية بالقول: “ما دامت وجهتا نظرينا متطابقتين، فيمكنك ان تتحدثي باسمي وباسم الجزائر”. وهذا ما أثار سخط الشعب الجزائري، الذي اعتبر كلام هذا الشخص ضربا من الخيانة، لأنه يشكل تنازلا عن السيادة الجزائرية لصالح هذه الوزيرة الإسبانية، حيث كشف هذا الشخص عن استعداد الجنرالات لبيع الجزائر لإسبانيا مقابل مساندتها للجنرالات في عدائهم للمغرب. وللكشف عن خيانة هذا الشخص ولا مسؤوليته، أسأله: “هل تستطيع الوزيرة الإسبانية، أو وزير أية دولة غربية أخرى أن يفوضه للحديث باسمه وباسم بلده؟ يؤدي الجواب عن هذا السؤال إلى تعرية حقيقة علاقة المسؤولين الجزائريين بوطنهم، حيث صار الوطن لا يساوي أي شيء في عقيدتهم السياسية البدوية القبلية، التي جعلتهم مستعدين للتنازل عن سيادة الوطن من أجل إلحاق الضرر بجيرانهم. وبذلك، فهم يعتبرون السيادة الوطنية أقل من ذواتهم المريضة. وهذا ما جعل الشعب الجزائري يطالب برحيل نظام العسكر، الذي انتهت صلاحيته منذ عقود. تبعا لذلك، فإن “بوقادوم” لا يعرف القواعد الديبلوماسية الأولية، حيث إنه يجيد فقط تقديم الرشاوى لشراء الذمم بغية كسب الأصوات لصالح موقف جنرالاته ضد جيرانهم في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
إضافة إلى ذلك، هناك تساؤلات كثيرة تحير الشباب الجزائري، من قبيل: لماذا يعاني الشعب الجزائري من الفقر، رغم أن الدولة الجزائرية غنية!؟ يتضمن هذا التساؤل معادلة على حكام الجزائر توضيحها للشباب الجزائري؛ وهي معادلة صعبة يؤدي توضيحها إلى تعرية عيوب الحاكمين، الأمر الذي يرفضه الجنرالات، لأنه يرعبهم…
ويضيف هؤلاء الشباب تساؤلات أخرى قائلين: لماذا تفتح أبواب البلاد في وجه الرأسمال العالمي، ويتم فرض الهجرة على الشباب الذي يموت غرقا في عرض البحر؟ لماذا فرض التخلف على الجزائريين وتذهب ثروات البلاد إلى الخارج؟…
فضلا عن ذلك، تؤكد شعارات الحراك الشعبي السلمي أن الشباب الجزائري يحب بلاده ويريد المساهمة في بنائها؛ فالجزائر تبكي على أبنائها الذين يرغبون في الهجرة بحثا عن لقمة العيش في الخارج، ويموتون غرقا في البحر، كما أنها تبكي على اقتصادها المنهار ونظام تعليمها المتجاوز ومنظومتها الصحية المنخورة…
وما دام نظام العسكر هو المسؤول عن مآسي الجزائر وشعبها، فقد وفر الشروط لانتفاضة الحراك الشعبي السلمي، الذي يطالب برحيله…
لقد قال “تبون في هذا الاستجواب” إننا قمنا بتطويق “الجزائر- العاصمة” من أجل تجنب المواجهة”. يكشف هذا الكلام تمادي “تبون” في ممارسة الكذب، الذي أصبحت مهنته، حيث لا يمكنه العيش بدون أن يتنفسه. هكذا، فإن “تبون” ينكر سلمية الحراك التي عرت نظام العسكر وفضحته أمام الرأي العام العالمي، الذي أشاد بسلمية الحراك، وأدان العنف الذي مورس عليه من قبل الجنرالات ومخابراتهم. وتوجد أشرطة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي نشاهد فيها رجال الشرطة يمارسون العنف على شباب الحراك، وهؤلاء يقدمون الورود إليهم. أليس هذا هو أقصى درجات السلمية؟!.
وإذا كان تبون يتوهم أن الانتخابات ستضع حدا للحراك، فإن ذلك لن يتحقق، لأن الحملة الانتخابية تتسم ببرودة منقطعة النظير، كما أن قاعات التجمعات الانتخابية فارغة. أضف إلى ذلك أن خطابات المترشحين تعري جهلهم، إذ تؤكد أنهم لا يعرفون أي شيء عن الانتخابات، ولا عن دور المؤسسات التي رشحوا لعضويتها. تدل هذه المؤشرات على أن مقاطعة هذه الانتخابات ستكون واسعة في كل المدن والمناطق والولايات، كما أن هناك مناطق عبر مواطنوها عن رفض تنظيمها على ترابهم، حيث أعلنوا عن مقاطعتها مسبقا، لأنهم يعون أنها ستكون مزورة، ما سيفقدها الشرعية السياسية لكل الهياكل الفارغة التي ستنجم عنها، ويضعها وجها لوجه مع شعب يرفض التعامل معها، ومع القرارات التي ستصدر عنها. تبعا لذلك، فإن الجنرالات بتنظيمهم لانتخابات لم يطالب بها الشعب، يعبرون عن إرادة إدخال البلاد في نفق مسدود، لا يمكن لأحد أن يتنبأ بالكوارث التي يمكن أن يتسبب فيها…
ومن حسنات استمرار الحراك أنه عرى الجنرالات أمام العالم، وفضح عنفهم ونهبهم وكذبهم، فصارت صورتهم جد سلبية ومنفرة في مختلف أوساط الرأي العام العالمي….
وللتدليل على رغبة الشباب الجزائري في مقاومة النظام عبر استمرار الحراك السلمي، فقد صرح الشاب “صهيب شوشي” أمام قضاء “بومرداس” قائلا: “أنا حامل لشهادتين جامعيتين، وإذا خرجت من السجن، فسألتحق بالحراك الشعبي، لأنني أومن أن مكاني الطبيعي هو الاحتجاج في الشارع من أجل تحقيق شعارات الحراك”. يدل هذا التصريح على أن سلمية الحراك قد عرت عورة الجنرالات، لأنهم فاقدون للشرعية السياسية..
تبعا لكل ذلك، فإن الحراك الشعبي لن ينتهي إلا برحيل نظام العسكر…
هكذا، فعلى جنرالات الجزائر أن يدركوا أن صلاحيتهم قد انتهت، لأن الحياة المعاصرة لم تعد تقبل بهم، ولا بثقافتهم، ولا بممارساتهم؛ بل إنها ترفض كل ذلك، ما يفرض عليهم الرحيل، لتمكين الشعب الجزائري من بناء وطنه بشكل ديمقراطي حداثي ينسجم مع روح العصر.