بقلم: عبد السلام الموساوي
البعض لدينا هنا ، غضب لما وقع في فلسطين أكثر من غضبه للصحراء المغربية ، ولما فعلته اسبانيا مع المغرب من مساس بعلاقات حسن الجوار، بمناسبة استقبال السفاح إبراهيم غالي بمبررات واهية قالت اسبانيا أنها إنسانية.
والبعض لدينا هنا، غضب لما وقع في الشيخ جراح في القدس بما ندينه ونستنكره، أكثر مما غضب لما فعلته ألمانيا وهي تتبنى رواية إرهابي يسمى محمد حاجب، وجدته وسيلة لكي تبلغ المغرب عدم رضاها على كثير الخطوات الاقتصادية والتنموية العملاقة التي دخلها المغرب رفقة شركاء آخرين، لأجل تنمية بلاده وأرضه وطاقته ومقدراته .
نعم، فلسطين فينا شيء ثابت.. نعم ، فلسطين وعدالة قضيتها أمر لا يقبل النقاش.
لكن المغرب مسبق لدينا على كل ما ومن عداه . والمغرب لدينا أولوية الأولويات . والمغرب في الصف الصف الأول، وكل القضايا الأخرى دون استثناء في الصف الثاني ، مهما بلغ تعاطفنا مع هاته القضايا لأن قضايا وطننا تظل الأولى والأهم والأكثر حساسية وحيوية بالنسبة لنا ، وبعدها تبدأ بقية القضايا. .
التيارات الاسلاموية تفتقد إلى الروح الوطنية ؛ تحرير أرض مغربية لا يثير فيها أي حماسة أو شهية للتعليق والتعبير عن الشكر لدولتها المسؤولة عن حماية حدودها.
نتذكر انه في الوقت الذي احتفل فيه المغاربة بنصر دبلوماسي كبير وحقيقي بخصوص قضيتهم الأولى ، بعد اعتراف أول قوة في العالم بسيادة المغرب على كامل أراضيه ، اختار اسلاميو المغرب أن يسيروا في الاتجاه المعاكس وأن ينتقدوا القرار بدعوى الدفاع عن فلسطين.
بعض الجماعات والمجموعات والأشخاص يعيشون معنا بالجسد فقط، بينما أحلامهم ونواياهم مرتبطة بسياقات أخرى تماما ، ما ظهر في محطات مختلفة ، كان آخرها الموقف الغامض من المرسوم الرئاسي الأمريكي الذي أقر سيادة المغرب على كامل ترابه ، وكيف كانوا ينتظرون على أحر من الجمر، وصول الرئيس الجديد من إسقاطه .
التيارات الاسلاموية تتبجح بانجازات واهية مدعية أنها منخرطة بشكل دائم ومستمر في دعم مقاومة الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل تحرير أرضه واستعادة كافة حقوقه المغتصبة ودولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، دون أن تكلف نفسها عناء توضيح كيف تدعم هذا النضال وهاته المقاومة هل بالمال أم بالسلاح أم بالأدوية الموجهة لجرحى الشعب الفلسطيني وتتكلف ماديا وتقنيا بصيانة القدس هي لجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس ، والتي تصدر سنويا تقارير عن الأعمال المنجزة هناك باعتراف من الفلسطينيين أنفسهم.
إن الأقنعة التي لبسها الاسلاميون طويلا ، وخدعوا بها الكثير من المغاربة ، سقطت أخيرا وظهرت حقيقة عقيدتهم الخبيثة ، عقيدة الدمار والتشتيت ووهم الخلافة الذي لم ولن يتحقق . وقضية فلسطين أو الأصل التجاري الذي بنوا عليه مجدهم لم يعد ممكنا تخدير عقول البسطاء بها. وبالدارجة المغربية : ساعتهم سالات …ولم يعد لدجلهم أي تأثير لأن المغاربة بدؤوا يكتشفون ، ولو متأخرين من هم أصدقاؤهم الحقيقيون ومن هم أعداؤهم الحقيقيون . المغاربة بدؤوا يكتشفون التقية الإسلاموية ، و “غموض ” و ” التباس ” وحربائية الإسلامويين ، الفرع المغربي للإخوان المسلمين المنحاز لخوانه (حركة حماس والاتحاد العالمي لـ ” علماء ” داعش …) ضد الوطن ومصالحه….
نفهم موقف التيار الأصولي الديني الذي يلعب على وتر التجييش العاطفي، وتيار معاداة السامية، وتهديد اليهود بأنه سيلقي بهم في البحر ذات يوم وأنه سيبددهم من على سطح الأرض . ونفهم أيضا أن ينجر بعض صغار العقول أمام لعبة التصعيد المستمرة، التي تسبق أي انتخابات سواء في إسرائيل أو في الضفة والقطاع .
لكن لا نفهم كيف يمكن لمن هم في حكم النخبة أن يسقطوا في الفخ، المرة بعد الأخرى، وأن يعتبروا قضايا وطنهم قضايا ثانوية تستحق التهكم والتندر أو تستحق في أحسن الحالات التجاهل وعدم الاهتمام. بالمقابل تتباكى هاته النخبة المزيفة على فلسطين ، وتنادي وتدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور ، وتمتشق حسام المزايدات الفارغة ، هي التي لا تقدم لفلسطين في أفضل الحالات إلا التدوينات أو التغريدات أو الأناشيد المضحكة التي أضاعت بالمناسبة هاته الفلسطين منذ الثلاثينيات من القرن الماضي.
القواسم المشتركة بين نزعة أصولية دينية إخوانية ونزعة عدمية، افتقادهما لروح الانتماء للوطن، وهول فقدان الثقة العدمي في المؤسسات، ومحاولة الهروب إلى الأمام من خلال نزعة ثورية منفصلة عن الجماهير الشعبية التي يتحدثون باسمها.
نحن بلد من البلدان التي قالت لا لبيع القضية الفلسطينية في لحظة حاسمة وحازمة. لم ننجر حول شيء، ولم نمل لشيء . قلنا إن هاته القضية قضية عادلة يلزمنها استمرار التضامن.
المغرب لا عقدة له في هذا المجال، وما قدمه لفلسطين على امتداد عقود وعقود يكفيه شر التبرير أو شر الدخول بنية حسنة في الحديث مع أصحاب النيات السيئة .
نساند حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته إلى جانب جاره الإسرائيلي وفق حل الدولتين الذي يؤمن به العالم المتحضر، ندين العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين من هاته الناحية، وندبن عمليات الاقتحام والتنكيل التي تستهدف المدنيين من الناحية الثانية .
نتمنى ان يعود العقل للحمقى لكي يسود السلام أرض السلام ، والبلاد التي اختارتها العناية الإلهية لكي تحتضن كل الديانات السماوية ، وذلك هو قدرها يوم تصبح الكلمة الأخيرة للعقلاء وليس للحمقى الموتورين.
هذه هي الخلاصة بكل بساطة وبكل اختصار.
ما عداها نشيد مزايدات جد مزعج في اللحن ، ساعدنا على النوم كل هاته السنوات ، وأضاع بالمناسبة هاته الفلسطين التي ندعي جميعا أنها عزيزة على القلوب.