الصٌَحافة _ وكالات
شهدت قضية محمد الشيخ ولد محمد ولد امخيطير المعروف في موريتانيا بـ“ساب الرسول” الجمعة تطورات جديدة، حيث بث التلفزيون الحكومي الليلة الماضية، تسجيلا أعلن فيه امخيطير عن توبة قوبلت برفض واسع رغم أن الحكومة مهدت لها باجتماع للرئيس مع العلماء.
وأعلن ولد امخيطير “توبته إلى الله تعالى من جميع الذنوب وبخاصة الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم في مقاله المنشور سنة 2014 تحت عنوان “الدين والتدين ولمعلمين (أي الحدادون)”.
وقال: “أنتهز هذه الفرصة لتوضيح بعض الأمور حول مقال تم نشره سنة 2014 تحت عنوان “الدين والتدين ولمعلمين” والذي أساء للنبي صلى الله عليه وسلم وأعلن أمام الله والجميع توبتي النصوح من هذا الذنب المتعلق بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي التوبة التي أعلنتها مباشرة بعد كتابة المقال وملاحظتي لوجود تلك الإساءة”.
وأضاف: “تمت كتابة مقال آخر في اليوم الأخير من سنة 2013 لكنه للأسف لم ينشر بالحجم الذي نشر به المقال الأول وهو موجود عند النيابة العامة وجميع المحاكم التي مر بها الملف”.
وأضاف: “عموما، فإنني أتحدث عن ذنب وقع وهو ذنب كبير والأهم عندي كمسلم أن معالجة الذنوب هي التوبة وهو ما جعلني اليوم أعلن وأجدد دائما توبتي النصوح لله تبارك وتعالى من هذا الذنب المتعلق بجناب النبي صلى الله عليه وسلم المرسل رحمة للعالمين والذي خاطبه ربه قائلا وإنك لعلى خلق عظيم”.
وقال: “إنه من الطبيعي أن أي إساءة للنبي صلى الله عليه وسلم ستكون محل تنديد وتصاحبها مطالب كثيرة، إلا أنني لاحظت ولاحظها الكثير من المتابعين أن هناك جهات أجنبية استغلت جهات أخرى داخلية من أجل الوصول إلى مآرب أخرى تنفيذا لرغبة مرشد أو تنظيم سري (قيل إنه يشير لجماعة الإخوان التي استغرب مدونوها ذلك)”.
وخلص ولد امخيطير إلى قوله: “أجدد التوبة اليوم بتاريخ 11 يوليو 2019، وأعلن توبتي إلى الله تبارك وتعالى من جميع الذنوب وبخاصة في ما يتعلق بالمقال المذكور والنية ألا أعود إلى هذا الذنب ما بقي من عمري وان أشارك في بناء وأمن الوطن وطمأنينته”.
وقد قوبلت هذه التوبة باحتجاجات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وبدعوات للتظاهر.
لكن أبرز ما قوبلت به هو البيان الذي أصدرته مجموعة من كبار العلماء البعيدين عن السلطات، أكدوا فيه قولهم: “أن مما لا تسع المخالفة فيه أن الذي يجب به العمل إفتاءً وقضاءً في هذا الزمان الذي رقّت للملحدين ومَن خلفهم فيه الزريبةُ من جانب الإسلام، فأصبح الاستهزاء بالله وآياته ورسله بضاعةً رائجة في سوق أعداء الدين والسوق قائمة يلجأ إليها كل من يبيع دينه بعرض من الدنيا فحسبنا الله ونعم الوكيل”.
“نعم نقول، يضيف معارضو درء الحد عن ولد امخيطير، أن مما لا تسع المخالفة فيه أن الذي يجب به العمل إفتاءً وقضاءً في هذا الزمان، هو ما قوي دليله وكثر قائله بل تواطأ عليه السواد الأعظم من علماء المسلمين حتى كاد يكون إجماعيا بل نُقل عليه الإجماع، وهو وجوب قتل ساب النبي صلى الله عليه وسلم وتشريد من خلفه به وإن تاب وحسن إسلامه”.
وأكد العلماء “أنهم يعتمدون في هذا الحكم على ثلاثة أدلة كلها تكفي وحدها وأحرى مجتمعة، وهي أدلة الكتاب والسنة القاضية بذلك المقررة في محالها، وظنُّنا بل يقيننا وغلبة الظن توجب الحكم هنا أن المخالفين في درء الحد عن الساب بالتوبة وقليل ما هم، لو أدركوا زماننا لما وسعتهم المخالفة والثالث سد الذرائع إلى الإلحاد والاستهزاء بالله وآياته وكتبه ورسله وحماية وصون الجناب الطاهر الرفيع”.
وأكد البيان “أن العلماء هم وحدهم هم من يحق له البتُّ في الأحكام الشرعية، لكونهم وحدهم فرسان ميادين الشريعة، وهم وحدهم من يحق له النظر في النصوص والمقاصد والمصالح والمفاسد، وهم وحدهم من يميز المصلحة المعتبرة في نظر الشرع فيوجب جلبها والمفسدة المعتبرة في نظر الشرع فيوجب درأها، وهم وحدهم من يحق له النظر في أقوال العلماء وما يجوز به العمل منها وما لا يجوز”.
ووقع هذا البيان الذي عارض ما ذهب إليه العلماء الموالون للسلطة كل من العلماء محمد فال اباه بن عبد الله، ومحمد الحسن بن أحمدُّ الخديم، ومحمد بن بتار ابن الطلبه، والقاضي أحمد شيخنا ابن أمَّاتْ، ومحمد الامين ابن دادَّاهْ ، ومحمد بن أحمدُّو بن محمذن فال، ومحمد الزائد ابن لمرابط محمد سالم ابن ألما، ومحمد الامين بن اباه، ومحمد سالم بن اتَّاه بن يحظيه بن عبد الودود ، وعبد الله بن محمد سالم ابن عدود، وأحمد بن اجاه ابن ابوه.
هذا ويتواصل في موريتانيا الجدل الكبير الذي أثاره اجتماع الرئيس الموريتاني يوم الأربعاء بالعلماء والفقهاء لإيجاد الصيغة التي مكنت من تحرير ساب الرسول، عبر توبته التي بثها التلفزيون العمومي.
واستمرت أمس عبر شبكات التواصل انتقادات المدونين للتشاور الرئاسي مع العلماء من أجل تحرير ساب الرسول، كما صدرت عبر الشبكات دعوات للتظاهر من أجل تنفيذ حكم الإعدام في المدون المثير للجدل.
ومرت قضية الشاب محمد الشيخ ولد امخيطير بعدة محطات قضائية منذ أن أعلن أمام المحكمة الابتدائية في أول جلسات محاكمته عام 2014، توبته وبراءته، موضحا “أنه لم يكن ينوي انتقاد النبي عليه السلام بل الدفاع عن الطبقة المهمشة التي ينتمي إليها (طبقة الحدادين)”.
واعتقل محمد الشيخ ولد امخيطير يوم 2 كانون الثاني/يناير 2014 بسبب مقال نشره على الإنترنت اعتبر مسيئا للنبي محمد عليه السلام، حيث صدر حكم بإعدامه في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه.
وفي 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، خففت محكمة الاستئناف حكم الإعدام الصادر ضده إلى السجن عامين، وقد قضاها بالفعل، وبدفع غرامة حيث كان اللازم أن يطلق سراحه لكن السلطات الإدارية قررت بقاءه في السجن.
وفي آذار/مارس 2018، قال وزير العدل الموريتاني جا مختار ملل في إحدى المقابلات إن “المدون امخيطير لا يزال محتجزًا في مكان ما في موريتانيا”.
وأكد الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مؤتمره الصحافي الأخير أن “ولد امخيطير يوجد رهن الاعتقال الإداري من أجل الحفاظ على سلامته”.