الصحافة _ وكالات
أَضاع عبد الإله ابن كيران اللبن في الصيف، وفي الربيع العربي الكاذب، يوم خرج لكي يقول للناس « لاتخرجوا مع هذا الذي سيخرج شرط أن نكون المستفيدين الوحيدين من كل الذي سيقع »، وفي الشتاء الطويل الذي يمر منه، وفي الخريف الذي وصله اليوم وهو يعطي للناس نموذجا سيئا عن كيفية التفاعل مع ما يقع من تطورات في المشهد السياسي المغربي.
العديديون يجدون صعوبة في منع أنفسهم من مقارنة مواقف ابن كيران بموقف سابقيه ادريس جطو وعباس الفاسي. وطبعا العديدون لايريدون مقارنة موقف ابن كيران بموقف عبد الرحمان اليوسفي، قائد التناوب التوافقي مع الراحل الكبير الحسن الثاني، لأن البون شاسع، ولأن الفرق هائل يمنع المقارنة بسبب كل التناقضات الموجودة بين البروفايلين..بروفايل سي عبد الرحمان وبروفايل ابن كيران.
الكثيرون ممن يقارنون بين مواقف من سبق من رؤساء الحكومات في المغرب، وبين موقف عبد الإله يصلون إلى خلاصة واحدة: لدى الرجل قناعة واقتناع وإيمان أنه لم ينته بعد.
لدى ابن كيران ذلك الحلم الذي يراود « مداويخه » أن لحظة ما من اللحظات المغربية ستأتي، وستكون الحاجة إليه ماسة، وسينادى عليه لكي يكون رجل تلك اللحظة.
نحن هنا لا نقول إن هاته اللحظة لن تأتي أبدا، لأن السياسة هي العلم الوحيد الذي يعلمك منذ درسه الأول ألا تقول « أبدا »…أبدا. لكننا بالمقابل نستطيع المغامرة بالقول إن مايفعله ابن كيران بنفسه، وبتجربته، وبكل ما راكمه منذ سنوات، يسير عكس هذا الطموح الذي يبدو له هو مشروعا، ويبدو لعدد كبير من الناس ظالما وأنانيا ولا يستقيم مع ماحققه إبن كيران نفسه من إنجازات للناس يوم كان رئيس حكومة المغرب.
الخروج إلى الرأي العام بلايفات فيسبوكية تشبه لايفات مايسة أو ندى ونزار أو ابتسام وشقيقتها دنيا أمر يكشف هشاشة الرجل، إذ التحق هو الآخر بمن يعتقدون أن التأثير يمارس عبر اللايفات، وأصبح هو الآخر مؤمنا بأن عدد اللايكات في حصة يوتوبية هو دليل شعبية جارف، وهو الفيصل بين القوم لأجل تحمل كل المسؤوليات.
عندما تفعلها مواقع تنشر مايصفه إبن كيران والبقية بالتفاهة، وتستند على هاته الأرقام المرتفعة لكي تؤكد بها أنها على الطريق الصائب، يقال لتلك المواقع « خسئتم، فليس الأمر دليل رجحان عقل على الإطلاق »، لكن عندما يريد ابن يكران اللعب على هذا الوتر يقال لنا « إنها الشعبية وهي منة من الله لا تباع ولاتشترى، ونتحداكم أن يأتي زعيم حزبي آخر بمثل هاته الأرقام ».
شيء ما غير سوي في الحكاية كلها. لن ننحو باللائمة على ابن كيران لوحده فيها. فالرجل مجرد نتاج لوضع معين شاركنا فيه جماعة.
ولن ننحو باللائمة حتى على من التحقوا بصف التأثير الوهمي هذا، وأصبحوا عبيدا للافتراضي يمنحونه حياتهم، ويتصورون أنهم يغيرون عبره الواقع، وقرروا أن يتوقفوا عن العمل اليومي الحقيقي وأن ينخرطوا في تغيير كل مواقع الأنترنيت وكل صفحات التواصل الاجتماعي التي ينشطون فيها.
لا، لن نلوم أحدا، فنحن كنا نتوقع هذا الأمر. فقط سنقول ماقلناه منذ البداية: لم يكتب لنا ولهؤلاء القوم أن يعيشوا وأن نعيش حياة الإعلام التقليدية عيشة سوية، ووقع لنا ولهم الانتقال الفجائي إلى الرقمي دون المرور من هوته السحيقة، التي تفصلنا وتفصلهم فعلا عمن اخترعوا هذا الرقمي وعمن طوروا قبله الإعلام التقليدي الإتطوير السوي الذي عاشه، فكانت حالتنا وحالتهم شبيهة بحالة ذلك الذي يجد نفسه بين عشية وضحاها منتقلا بفعل ورقة يانصيب أو حظ من حالة الفقر المدقع إلى حالة الغنى الفاحش، ولكم أن تتخيلوا السيناريو طبعا وكل التطورات.
إبن كيران قال لوزرائه وأطر حزبه ذات يوم في تجمع لازال في الأنترنيت « تفكروا كيفاش كنتوا آلإخوان، المخير فينا كان تيركب فالإيركاط ». اعتبر العاقلون حينها هذا الكلام غير معقول وركوبا على شعبوية مميتة للرجل، لحزبه، للسياسة باعتبارها ليست فكرة اغتناء أو تغيير الحال الفردي، لكن قيل حينها لمن لم يعجبهم الكلام إنه « كائن سياسي يعرف كيف يخاطب الجموع ، لذلك إصمتوا ». وفعلا صمت العاقلون.
العاقلون أنفسهم هم الصامتون اليوم على الصخب الجاهل الجاري، الذي يجعل الكل يصرخ في وجه الكل دون أن يستطيع واحد من وسط كل هذا الكل أن يستمع لواحد آخر أو أن يصيخ السمع وهو شهيد.
ابن كيران في عزلته الجديدة التي تذكرنا بالدعاء الشهير عن حسن الخاتمة، وعن العاقبة التي نرجوها جميعا من الله طيبة مجرد نموذج لما يمكن أن تفعله الشعبوية بنفسها عندما تنخرط في جذبتها القاتلة، وترفض الاستيقاظ وإن أيقظتها كل الدلائل.
ختاما، لا يصلح مافعله الرجل للضحك منه، لأنه كان رئيس حكومة المملكة المغربية لسنوات.
الدرس في الحقيقة مؤلم للغاية وقاسي وشديد القسوة، ويصلح لنا تنبيها جماعيا لكي نتفادى في اللاحق من الوقت إسناد الأمور لغير أهلها.
المصدر: أحداث أنفو