الصٌَحافة _ خالد طحطاح
الوضع الجامعي حاليا يتسم بالضعف وتخترقه تناقضات عديدة، مما يستلزم ضرورة القيام بنقد ذاتي حتى يتوقف هذا العبث، هناك تساؤلات عديدة تطرح على واقع ومستقبل الجامعة في العقد الأخير، فهناك اختلالات في التوازنات، وهناك سؤال مؤرق ومركزي يطرح نفسه: إلى أين تسير الجامعة المغربية في ظل وضع متأزم تغذيه لجان فاسدة؟
بالطبع يمكننا في هذا الصدد الإشارة إلى أطروحة الحركة الريسونية من الإخلال بالأمن الى المقاومة المسلحة، نوقشت سنة 2007 بجامعة مولاي سليمان بكلية الآداب ببني ملال، ولحد الآن لم تنشر، بالرغم من أن النشر لم يعد متعذرا كما في السابق، ولعل ضعف الأطروحة عاملا من عوامل عدم تحمس صاحبها لطبعها ضمن منشورات كلية الآداب بمراكش، خاصة وأن صاحبها مشغول بالبحث عن المواقع، ترى ما سياق هذه التوطئة الغامضة وما علاقتها بهذه الديباجة عن مستقبل الجامعة؟ بالطبع الهدرة غادي تبان معامن!
لقد شارك أستاذنا القادم من مراكش ضمن اللجنة الفاسدة لمباراة توظيف أستاذ للتعليم العالي مساعد، بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالمحمدية، والتي جرت أطوارها بالقاعة رقم أربعة، بحضور كل من نور الدين بلحداد ولحسن أوري وبوبكر بوهادي ورشيد يشوتي. وللتذكير فالمنصب كان خاصا بالتاريخ المعاصر، وكان على مقاس مترشح من ذات الكلية، ناقش قبل أشهر من الإعلان عن المباراة، وتسرب اسمه في جريدة الصباح قبل المباراة مما يعتبر فضيحة، صاحبنا جيء به لإقصاء ملفي وملفات وازنة، والمساهمة في إنجاح مترشح ملفه العلمي لا يؤهله ليكون ضمن لائحة الانتقاء، بالنظر للأسماء التي ترشحت، فما بالكم بالفوز.
لقد كانت مباراة شكلية ومسرحية معلومة النتائج، وحين ذهبت لسحب ملفي يوم تاريخ المباراة قلت للمكلف باستقبال الملفات، لماذا تقوم الكليات بالإعلان عن المباريات ما دام أن المنصب معروف سلفا صاحبه؟ وأعطيته الاسم الناجح مسبقا، بل وأهديته كتاب مؤرخون مغاربة ليطلع عليه ويقرأه، لماذا التمثيل من خلال اختيار لجنة شكلية والتعب في استدعاء أساتذة غير مشاركين في مناقشات المترشحين، في حين النتيجة معلومة؟، ما الفرق هنا بين أستاذ في وضعية التنافي من عدمه ما دامت النتيجة واحدة؟ ما هذا النفاق؟ ومع ذلك سنقوم هنا بالوقوف عند بروفايل أستاذنا من جامعة القاضي عياض المشارك في اللجنة التي تلاعبت بالنتائج من خلال محطتين:
المحطة الأولى: بتاريخ 12-06-2010،م حيث وجه “الرفيق” المعني بالأمر، (وهو صاحب الأطروحة المذكورة أعلاه) رسالة مفتوحة عبر الصحافة إلى الرفاق في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ينتقد مواقفهم اتجاه الصحراء المغربية، وما يهمنا في هذه الرسالة هو تقديم الرفيق نفسه مناضلا سابقا في صفوف منظمة إلى الأمام، وهي حركة ماركسية ثورية تأسست في يناير 1972م، وزج بالكثير من مناضليها في السجون، ولقي عدد من نشطائها حتفهم في سبيل المبادئ والمواقف التي قامت عليها الحركة. وفي رسالته هذه المفتوحة يذكر رفيقنا “النزيه” بطبيعة النظام اللاديموقراطي والأساليب التي استعملها لقمع المعارضين في مرحلة الستينيات والسبعينيات، ويستدرك بالقول أن المرحلة الحالية شهدت انفتاحا وتطورا في مجال حقوق الإنسان (تغيير الجلد بتغير المواقع والمناصب).
للأسف بدل أن يستثمر رفيقنا تجربته النضالية ضمن صفوف اليسار الراديكالي سابقا، وبدل الحفاظ على السمعة الجيدة، ها هو يسيء الى ذاكرة اليسار، حيث يمثل نموذج “الانسلاخ” من طينته الأصلية، طينة ابراهام السرفاتي والمناضلين الحقيقيين. هؤلاء الذين دافعوا عن أفكارهم وقناعاتهم لحد التضحية بحياتهم، ترى أي رسالة تقدمها مشاركة هذا المناضل المزيف ضمن لجنة فاسدة؟ أين هي مبادئ النضال الأولى التي اتسم بها رموز اليسار في سلوكهم من سلوك هذا الأخير؟ فالنضال كما عبر محمد الهلالي مؤلف كتاب اليساريون الثوريون بالمغرب إما أن يكون قادرا على إسقاط الأسياد أو لا يكون. كيف تخول للبعض نفسه استثمار ماضيه النضالي الشخصي في البحث عن مواقع ومكانة اجتماعية أرقى، وكيف يتحول فجأة من مناضل إلى شخص مستعد للانقضاض على أي فرصة مربحة تساهم في ترقيته الجامعية، بينما هو في الجوهر يدمر مستقبل البحث العلمي، من خلال التمكين للريع داخل الجامعة. لا داعي لكي نذكره بأن كل مناضل ثوري كان مرشحا للموت في السابق ومع ذلك لم يغير مواقفه، فكيف لأجل منفعة وقتية تقوم بما قمت به، وكيف تفسر لنا المعايير التي اعتمدتها رفقة الزمرة من الرفاق داخل اللجنة لإقصاء ملفي العلمي وملفات آخرين من المتنافسين الأحرار.
لقد ارتبط النضال بالقداسة بل كان الشرط الأخلاقي والوجودي لقيامه، لأن النضال ارتبط بالتضحية، وهو تاريخ من المعاناة والعطاء لأجل المستقبل، الرفاق الحقيقيون لم يناضلوا لأجل أهداف شخصية، بل كانت مسألة الدفاع عن الشعب أساسية في مشروعهم.
لماذا غير البعض جلدهم ومبادئهم فجأة، لماذا يساهمون اليوم فيما رفضوه بالأمس، حيث نفاجأ بمن يفترض فيه الدفاع عن الشعب ووطن ديموقراطي أنه أول من يقوم بتشجيع الغش والمحسوبية وزرع النفاق والأنانية والفئوية المقيتة وتشجيع الربح السريع والتمكين لاحتلال المناصب والسطو عليها بطرق غير مشروعية، بل إن رفيقنا حين يكتب في الصحافة يتحدث عن بوادر مجتمع ديموقراطي والذي لا يوجد سوى في مخيلته، ذلك أن الديموقراطية هنا ليست سوى بابا من أبواب الاغتناء والارتزاق السياسي.
لقد وقفنا من خلال هذه الحالة على نفاق بعض “الرفاق” من خلال توضيح الهوة بين الخطاب والممارسة والازدواجية بين القول والفعل.
المحطة الثانية : تعود ل 24 أبريل 2013 حيث نظمت وزارة الثقافة بمراكش احتفالا باليوم العالمي للكتاب وخلالها ألقى “رفيقنا السابق” “اليساري التقدمي” كلمة باعتباره نائب العميدة آنذاك، وقد عبر خلالها عن خالص تحياته للأطراف التي ما تزال تؤمن بالكتاب وتعمل على نشر القراءة، وأشار في كلمته أيضا الى ان العمل في هذا الإطار أصبح نضالا كبيرا. أين هي أقوال “رفيقنا” النظرية على المستوى العملي، وأين هو تقديره للكتاب وللإنتاج العلمي في اللجنة التي شارك فيها بالمحمدية، حيث عمل على إقصاء ملفي متعمدا بالرغم من تضمنه عددا من الكتب والمقالات التي نوه بها في معرض الكتاب. أين موقع النضال النظري وأين اختفت شعارات اليسار وخطابات “الرفيق” السابقة عن حقوق المضطهدين وحقوق الشعب. أليس هذا مثالا على النفاق السياسي بين القول والعمل والذي يجسده هذا النموذج الذي ينتقد المسؤولين بخطاب هو أول من يخرقه حين تتاح له مسؤولية صغيرة جدا، فما بالكم لو أعطيت له مسؤوليات جسيمة. ليس في القنافذ أملس، وأظنكم تعرفون من أقصد، الهدرة عليه، واللبيب بالإشارة يفهم.