الصحافة _ وكالات
بينما تقول أرقام وزارة الصحة المغربية إن عدد الإصابات والوفيات الناتجة عن فيروس كورونا المستجد في ارتفاع مهول، شكك مسؤول نقابي رفيع في صحة تلك الأرقام، واعتبرها «مضللة». تصريحات ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، لا سيما أنها صدرت من علي لطفي، أمين عام النقابة العمالية «المنظمة الديمقراطية للشغل» المقربة من حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، والذي يرأس في الوقت نفسه «الشبكة المغربية من أجل الحق في الصحة والحق في الحياة».
تصاعداً في الوفيات
يضاف إلى ذلك أن تلك التصريحات وردت أمس الجمعة في صحيفة «الصباح» المستقلة، إحدى أهم الصحف في المغرب، والتي مهدت لكلام المسؤول النقابي بمقدمة أفادت فيها أنه «في وقت تراقب فيه الحكومة انهيار المنظومة الصحية وتصاعداً في الوفيات وأعداد الإصابات، أكدت مصادر مطلعة أن الأرقام المعلنة في المغرب، بخصوص نسب الإصابات والوفيات، تفتقد إلى المصداقية، وأن هناك توجيهات من مسؤولين إداريين وسلطات صحية من أجل عدم الإعلان عن المؤشرات الحقيقية لانتشار الوباء في المغرب».
ونقلت عن المسؤول النقابي علي لطفي قوله إن الأرقام التي تعلن عنها بعض الجهات غير صحيحة، مبرزًا «أن في مدينة فاس على سبيل المثال، تقول السلطات إن الإصابات المؤكدة لا تتعدى 80 لكن الواقع أن المدينة لم تعد تجرى فيها الفحوص، لأن المدن التي تقوم بالفحوص بكثرة تظهر واقع الانتشار نسبيًا، أما مناطق أخرى فأصبحت تتهرب من وضع الأرقام الصحيحة خوفًا من التبعات».
وأضاف أن هناك توجّهًا معينًا من أجل عدم إجراء العدد اللازم من فحوص «كورونا» في فاس، من أجل إظهار أن الجهة متحكمة في الوضع، وأن هناك نقاشات في دواليب السلطات الصحية والإدارية من أجل تخفيض عدد الفحوص، ما يعني أن الأرقام مضللة، وأنا أتحمل مسؤولية ما أقول. إذ إن الحالات المعلنة في فاس وجهات أخرى غير صحيحة».
واستطرد قائلاً«إن الأدهى من هذا أن أعداد الوفيات كذلك مضللة، إذ هناك أشخاص يموتون بمرض معين ويقولون إنهم توفوا بسبب فيروس كورونا، وهذا الأمر غير صحيح، لأن أشخاصًا فارقوا الحياة نتيجة مرض القلب أو السرطان أو سكتة دماغية، لكن السلطات تقول إنهم توفوا بسبب كورونا، وهنا نطرح السؤال حول الوفيات الأخرى التي لا ترتبط بكورونا، إذ لم نسمع قط في هذه الفترة أن شخصًا ما توفي بمرض آخر غير كورونا».
وأورد أنه داخل الشبكة المغربية من أجل الحق في الصحة والحق في الحياة «نشدد على أن الأرقام والمؤشرات مضللة وليست حقيقية».
في المقابل، أكد خبير أن فيروس «كورونا» ينتشر بسرعة في المغرب، ويتضاعف عدد الإصابات المصرح بها بين المغاربة على نحو لم تتوقعه أكثر السيناريوهات تشاؤمًا.
وقال البروفيسور عز الدين إبراهيمي، مدير مختبر البيوتكنولوجيا الطبية في كلية الطب والصيدلة في الرباط، إن المغرب اليوم أمام خيارين: إما تبني استراتيجية «الحجر الكلي المرن» وما يترتب عنها من سلبيات اقتصادية ومجتمعية، أو الانخراط في «مقاربة الانضباط» التي تحتّم التزام 90 في المئة من المغاربة بحمل الكمامة وبالطريقة السليمة، مع تقليص حركية الأفراد بما لا يقل عن 30 في المئة.
وتابع في تصريح لوكالة الأنباء المغربية، في سياق تفشي وباء كوفيد 19 أنه في غمرة اتخاذ عدة دول حاليًا مثل إسبانيا وايرلندا وهولندا وفرنسا وبريطانيا لإجراءات أكثر صرامة في مواجهة هذه الموجة الجديدة التي تغمر العالم، وجب علينا الاستعجال في وضع ونهج استراتيجية جديدة، مبنية على مقاربة علمية.
وقال إن هذه المقاربة تتأسس على جملة من المرتكزات، تتمثل في المعرفة الدقيقة للوضع الحالي للجائحة في المغرب (الإصابات، معدل الفتك، حالات الإنعاش، البؤر، والامتداد المجالي) وتحديد الأهداف الخاصة والعامة المتوخاة من أي استراتيجية مغربية جديدة، وتقديم استراتيجية «الحجر الكلي المرن» كمقاربة ممكنة لتحقيق هاته الأهداف.
ولخص الوضع الوبائي الحالي ومؤشراته في المغرب في أن الفيروس ينتشر بسرعة، ويتضاعف عدد الإصابات المصرح بها بين المغاربة على نحو لم تتوقعه أكثر السيناريوهات تشاؤمًا.
وتفيد المؤشرات، أيضًا بأن حوالي 50 في المئة من المغاربة لا يلتزمون بحمل الكمامة، وبعدم الانضباط للحجر الجزئي المجالي، حيث هناك حركية وطنية مرتفعة بحوالي 30 في المئة، وبأن هناك أكثر من 800 مغربي في غرف الإنعاش، وهو أكثر مما تتحمله القدرات الاستيعابية المحلية في كثير من الأحيان، وقد نحتاج إلى 7.500 سرير إنعاش، وما مجموعه 4.500 جهاز تنفس في أفق شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل، يقول البروفيسور إبراهيمي.
كما لاحظ أنه بخلاف المرحلة الأولى، أصبحت جميع الجهات المغربية موبوءة، وأنه في كثير من المستشفيات، ومن أجل الرعاية بمرضى كوفيد 19 تم إلغاء برمجة جديدة لعمليات القلب أو عمليات السرطان. وهي عمليات جراحية وتدخلات طبية كانت مؤجلة أصلًا عن فصل الربيع الفارط.وحذر من أنه في هذه المرحلة «الحساسة والخطيرة» إن لم يتم تغيير المقاربة الحالية «سيكون هناك ما يقرب من ألفي مريض في العناية المركزة في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وهو ما يمثل تقريبًا كل الطاقة الاستيعابية للإنعاش في المغرب».
المنظومة الصحية
وذكر بأن استراتيجية المنظومة الصحية المغربية في مواجهة الجائحة خلال فصل الصيف كانت بهدف حماية الفئات الهشة، وهي مبنية على التعايش مع الفيروس، والعمل على التحكم في انتشاره، وبالتالي إبطاء الوباء عبر الرهان على قدرة الدولة على تكثيف التحاليل المخبرية، والتتبع والعزل المصابين والمخالطين، وعلى انضباط المواطنين للإجراءات الاحترازية، متسائلاً عن مدى جدوى هذه الاستراتيجية في ضوء المستجدات الوبائية، وعن مدى واقعية النتائج المنجزة في ظل هذا التعايش.
وخلص إلى أن المغرب أمام هذا الوضع، في حاجة لحماية اقتصاده، بشكل لا يتعارض مع حماية الصحة العامة. لذلك، يجب السعي باستمرار إلى خلق التوازن الصحيح على المدى القريب والبعيد «والذي يمكننا من الحد من الارتفاع في عدد الإصابات اليومية، وإبطاء معدل الدخول إلى المستشفيات ووحدات العناية المركزة بشكل مستدام، ما سيحمي اقتصادنا من الانهيار» على حد تعبيره.
وقال معاد لمرابط، منسق المركز المغربي لعمليات طوارئ الصحة العامة، إن الوضع الوبائي في المغرب يسوء باستمرار، منتقلاً من معدل 1200 حالة في آب/ أغسطس، إلى 2000 حالة في أيلول/ سبتمبر، ثم 3000 حالة في تشرين الأول/ أكتوبر، ثم 4000 حالة يوميًا في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، ثم وصل العدد أخيرًا إلى 5000 حالة.
وذكر في تصريح للقناة الثانية المغربية، أن هذه الأرقام كانت متوقعة، مشيرًا إلى أنها ستسوء أكثر فأكثر وسيدخل المغرب في سيناريو سيئ من حيث عدد الإصابات والوفيات والحالات الحرجة إذا استمر الوضع الحالي المتمثل في التراخي الخاص بالتدابير الصحية، ومنها ارتداء الكمامة والتراجع عن الصرامة في التعامل مع الوباء واحترام التدابير الصحية.
الوضع المقلق
ويدق الخبراء ناقوس الخطر بشأن هذه الوضع المقلق المتسم باكتظاظ المستشفيات، وإنهاك الأطقم الطبية وشبه الطبية، محملين المواطن المغربي مسؤولية كبح جماح الجائحة، ومحذرين من بلوغ المغرب معدل 20 ألف حالة إصابة يومية إذا جرى توسيع الفحوص. وقال البروفيسور شريف منتصر شفشاوني، أستاذ الجراحة في كلية الطب والصيدلة في الرباط، تصريحاً لصحيفة «العلم» إن الأخطر أكثر ليس عدد الإصابات، بل عدد الحالات الحرجة والوفيات، التي شدد على أنها ستزداد بدورها إذا لم يلتزم المواطنون بالإجراءات الاحترازية.
على صعيد المعطيات الوبائية الجديدة، أفادت وزارة الصحة المغربية، عشية أول أمس الخميس، بتسجيل 5641 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد خلال 24 ساعة، ليرتفع العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة بالفيروس في المغرب إلى 240951 حالة.
وأوضحت أن عدد الحالات التي تماثلت للشفاء من المرض حتى الآن ارتفع إلى 197215 حالة بعد تماثل 3329 حالة جديدة للشفاء، فيما ارتفع عدد حالات الوفاة إلى 4059 بعد تسجيل 77 حالة وفاة جديدة.