بقلم: محمود معروف*
شكل التطبيع مع دول عربية هدفاً إسرائيلياً، ازدادت أهميته مع إطلاق صفقة القرن، ويدرك الناشطون المغاربة أن بلادهم مستهدفة وأن الحركة الصهيونية تحاول اختراق المغرب من خلال تواجد أكثر من 600 ألف مغربي يعتنقون الديانة اليهودية، هجروا على مدى العقود الماضية من بلادهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن هؤلاء الناشطين يبرزون مغاربة يعتنقون اليهودية مناهضون للصهيونية ورفضوا الهجرة ويتمسكون بالمغرب وطنهم، وشكل هؤلاء رافداً هاماً للثقافة المغربية.
جاكوب كوهين الكاتب الفرنسي/ المغربي أحد أبرز هؤلاء المغاربة اليهود، كان حاضراً بقوة منذ إعلان صفقة القرن، وفي عدد من المدن المغربية وفي المسيرة الوطنية في الرباط يوم الأحد الماضي، معلناً رفض الصفقة وضرورة إسقاطها ومحذراً من محاولات الاختراق الإسرائيلي للنسيج المجتمعي المغربي، وكانت آخر نشاطاته محاضرة ألقاها في الرباط يوم أول أمس الأربعاء في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وقال فيها إن أبرز أسباب معاداته للصّهيونية أن «الصهيونية دمرت اليهودية المغربية، ودمّرت هذه الجماعة الرائعة وكيهودي مغربي رأى بعينه «هناك»، أي بدولة الاحتلال الإسرائيلي، كيف عومل اليهود المغاربة من طرف الصهاينة الأوروبيين، إلا أنّ من يساندون إسرائيل سيحاسبون بجرائمها مستقبَلاً.
وتحدث الكاتب المغربي المناهض للصّهيونية عنّ أشكال محاولات الاختراق الإسرائيلي للمغرب. وقال هناك خطاب «التسامح وكلنا أخوة وعشنا معاً، يهوداً ومسلمين، فخٌّاً ممتازاً ومن طرق الدّخول -الصّهيوني- إلى المغرب» وإقامة أنشطة فنية إسرائيلية في المغرب مثل الأوركسترا الأندلسية الإسرائيلية، كـ«وسيلة لنزع الدّفاعات»، وأشار إلى نصب المحرقة الذي كان يبنى في مرّاكش قبل توقيفه «لم لا يبنى نصب تذكاري للنكبة؟ فليست للمغرب علاقة بالهولوكوست».
وكشف الكاتب اليهودي المغربي والناشط ضد الصهيونية، في محاضرة سابقة نظمتها مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين بعنوان «الهولوكوست.. والأجندة الصهيونية» تفاصيل البداية الأولى للعلاقات المغربية الإسرائيلية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، وقال إن العلاقة بين الطرفين بدأت منذ عام 1956، حين أقدم جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» على إغراق سفينة على متنها يهود مغاربة بشكل متعهد، من أجل دفع الحسن الثاني للسماح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل، وإن ما قام به «الموساد» دفع الراحل الحسن الثاني إلى فتح الأبواب في وجه اليهود من أجل السفر إلى مصر، وإن تلك الواقعة جعلت «الموساد» يضع أقدامه تلقائياً في المغرب، لتنطلق على إثرها العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين الطرفين.
وحصل جاكوب كوهين، الذي ولد بمكناس ويقيم في باريس، على بكالوريوس في القانون من كلية الدار البيضاء، ومن بعدها تابع دراسته في باريس. ورجع إلى المغرب 1978، وعمل أستاذاً مساعداً في كلية الحقوق بكلية الدار البيضاء حتى 1987 وحصل على الدكتوراه عام 2012 وهو الآن متفرغ للكتابة ولديه عدد من الروايات والعديد من المقالات يقوم بنشرها على مدونته الإلكترونية، وهو عضو بـ»الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام» ويعتبر من أبرز المفكرين اليهود المناهضين للحركة الصهيونية، والذين يسعون إلى التفريق بين اليهودية كديانة وبين الصهيونية كأيديولوجية وحركة عنصرية لا إنسانية. وتعرض جاكوب كوهين، يوم 12 آذار/ مارس 2012، لاعتداء من طرف أعضاء من عصبة الدفاع اليهودية بفرنسا، وذلك في أحد مقاهي باريس حيث كان يقدم في لقاء أدبي كتابه الأخير المتعلق بالقضية الفلسطينية. قام المعتدون بتصوير حادث الاعتداء وقاموا بنشره على موقعهم الخاص. ووجه رسالة مفتوحة لوزير الداخلية الفرنسي يسائله فيها عن عدم تحرك السلطات ووسائل الفرنسية للدفاع عنه مواطن فرنسي تم الاعتداء عليه وسط باريس ولو كان مؤمناً يهودياً بالصهيونية لكانت الدنيا قامت ولم تقعد. وقال في محاضرة، أول أمس بالرباط، إنّ «شيطنة الآخر من عمل الصّهاينة»، وهو ما يدفع البعض في دول مثل فرنسا إلى إلغاء أنشطة خوفاً من اتّهامهم بـ»معاداة السامية»، «لكن في المغرب ممّ يخاف الناس؟ ووفق أي مبدأ؟».
وتحدّث كوهين في ندوته في الرباط عن «الخطوط الحمر الصّهيونية» المفروضة على «المناضلين المساندين للقضيّة الفلسطينية»، والتي تجعلهم يقولون لا لأنشطة يكون فيها رغم دفاعه عن فلسطين لسنوات، عكس طريقة عمل اللوبي الصّهيوني بفرنسا الذي ينسى كلّ الاختلافات ويتوحّد عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل، ليمنع أموراً مثل اللقاءات المناهضة للصّهيونية ويرى أنّ صفقة القرن صورة عن ميزان القوة الحالي، وأنّها «أوضحت بجلاء أن أي حل آخر لم يكن متصوّراً لدى إسرائيل أو الإدارة الأمريكية، وأنّ كل الحديث الذي كان عنه أوهام، وأنّ السلطة الفلسطينية التي حلمت بدولة على حدود 1967 كانت تغذّي الأوهام ولا أظن أنهم آمنوا بذلك، وإلا فإنهم كانوا من شديدي الغباء…» لأنّه «لا يوجد تعايش ممكن ولا سلام والصهيونية موجودة.. في أحسن الأحوال سيكون الفلسطينيون في دولة شتات تحت سلطة أسيادهم الصهاينة» لذا «يجب تدمير وهم السلطة الفلسطينية بأن هذا السلام ممكن الحدوث ومساندة قوى المقاومة التي تُؤذى من الصهاينة بقدر ما تؤذى من السلطة الفلسطينية، ويجب أن تعرفوا عدوكم بشكل جيد؛ فالصهيونية فرضت قاعدة من الأردن إلى المتوسط أنّه لا يمكن أن توجد قومية واحدة إلا اليهودية. وعدم التوقيع على صفقة القرن لا يهم، لأنهم سيستمرّون في إسقاط الأذكياء والقادرين على المقاومة حتى يبقى في الأخير من يقبل بها…». وقال: «أنتم أمام لوبي يريد تحطيم هويتكم وشخصيتكم وعليكم تحمل مسؤوليتكم».
ويرى كوهين أنّ المغرب ربط مصيره بأمريكا وبالموساد الإسرائيلي منذ عام 1961، وأضاف أنّه يحتاج دعم أمريكا في ملفّ الصحراء، وفي مصيره الاقتصادي والسياسي، وأنّه يعرف أنّ المغاربة سيكون ردّ فعلهم سلبياً من التّطبيع العلني فينتظر مع تهييء التّربة. وقال إن أوروبا وأمريكا وإسرائيل لا تهتمّ على الإطلاق بـ«الرأي العام العربي»، وأكد على وجوب تأثير المساندين للقضيّة الفلسطينية عبر حملات تستمرّ شهوراً في الرأي العام الأوروبي والأمريكي الذي تخاف منه إسرائيل لأنّه مكان المنتخِبين المستقلّين، بجعل أفكار بسيطة شعبيةً، مقدّماً مثالاً بـ»قضايا من ذهب» في هذا السياق لا يضيّع مثلها الجانب الإسرائيلي وضرورة النّضال للحفاظ على الأمل، وإذا كان الصهاينة اليوم أسياد العالم، لكن ماذَا عن الغد؟.. ورغم ما عليه العالم العربي اليوم يمكن أن يستيقظ غداً هناك أمل دائماً لكن يجب أن نعمل لنُحقّقه».
*القدس العربي.