بقلم: سعيد الكحل*
فضيحة بيع الشهادات العليا بجامعة عبد الملك السعدي بتطوان التي فجرتها مواقع التواصل الاجتماعي كشفت عن هول الفساد الذي ينخر الجامعات، والذي تجاوز الجنس مقابل النقط إلى تحويل شُعًب وكليات بعينها أوكارا لاستقطاب وتخريج حَمَلة معاول هدم صرح العلم والمعرفة ومرتزقة المذاهب الخارجية وأعداء الدولة الوطنية الذين يسعون إلى تقويض مؤسساتها من الداخل كما تفعل الأرَضَة.
بعد فضيحة الاتجار في الشهادات الجامعية والفيديو الذي بثه الأستاذ والمناضل الحقوقي لحبيب حجي، بات مفروضا على النيابة العامة ووزارة التعليم فتح تحقيق مستعجل حول الفضائح إياها ومخططات السيطرة على الجامعات من طرف لوبيات الفساد وتنظيمات الإسلام السياسي، خاصة حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان. طبعا لا يخفى خطر لوبيات الفساد على العلم والمعرفة ومصداقية المؤسسات الجامعية. لكن هذا الخطر يمكن تطويقه واجتثاث لوبياته، بينما خطر هيمنة تنظيمات إسلامية على مواقع جامعية هو أشد تدميرا للدولة والمؤسسات والمجتمع. ذلك أن لهذه التنظيمات مخططات ترمي إلى اختراق كل مؤسسات الدولة بهدف تحويلها إلى قنوات تمرير خطابها ومشاتل لتخريج أفواج من الموالين لها ومصادر للريع والترقي اللامشروع، فالأمر لا يقتصر على موقع جامعي معين يمكن تحريره من قبضة الإسلاميين بقرار إداري، بل يشمل أكثر من موقع وشعبة. فالأستاذ حجي دق ناقوس خطر اجتياح التنظيمات الإسلامية للمواقع الجامعية وتحويلها إلى إقطاعيات خاصة إلى جانب الاتجار بالشهادات والديبلومات الجامعية. ولعل خطورة اختراق المؤسسات الجامعية والتعليمية ومرافق الدولة أشد تدميرا للدولة وللمجتمع من الاتجار في الشهادات الجامعية. ويمكن التركيز على المخاطر التالية لهذا الاختراق حسب طبيعة المؤسسات كالآتي:
1ــ كليات أصول الدين وشعب الدراسات الإسلامية: تكمن خطورة اختراق هذه المواقع في مسألتين اثنتين هما:
أ ــ استيعاب العناصر التي تم استقطابها وأدلجتها خلال مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي ليتم توجيهها إلى هذه الشعب دعما لجهود الاستقطاب التي تقوم بها العناصر المنتمية للتنظيمات الإسلامية في التعليم العمومي، من جهة، ومن أخرى السعي للاستحواذ على غالبية المقاعد المخصصة للدراسات الدينية بهذه الكليات والشعب .
ب ــ ضمان تخرّج العناصر الموالية لهذه التنظيمات والحاملة لمشروعها المجتمعي والمتشبعة بعقائدها الإيديولوجية بأعداد وافرة حتى تتمكن من احتلال أغلب المواقع، ومن ثم مواصل عمليات الاستقطاب والتأطير في مواقعها الجديدة. هكذا تكون مؤسسات الدولة في خدمة مشروع التنظيمات الإسلامية الذي ينسف المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي .ومع مرور السنوات تتضاعف أعداد الخريجات والخريجين حَمَلة العقائد المتطرفة المناهضة لثقافة المجتمع وقيمه وتطلعاته إلى الديمقراطية والمساواة وإشاعة حقوق الإنسان وتكريسها في السياسات العمومية للدولة.
2ــ المجالس العلمية الإقليمية والمجلس العلمي الأعلى: مع تزايد أعداد خريجي المؤسسات الدينية المنتمين للتنظيمات الإسلامية ستكون لهم حظوظ أكبر في العضوية بهذه المجالس التي يعود إليها قرار تعيين الأئمة والخطباء في كل مساجد المغرب ومراقبة خطب الجمعة وبرامج وأنشطة المدارس القرآنية والكتاتيب. ولتقدير خطورة تعيين إمام “خوانجي” أو “سلفي متشدد”، علينا استحضار إمامته لصلاة الجمعة وخطبته في عشرات المئات من المصلين كل أسبوع وكيف سيمارس وصايته على عقول فئات واسعة منهم ويوجه اختياراتهم ويحدد مواقفهم، خصوصا في المعارك السياسية والانتخابية ومهاجمة المطالب النسائية والحقوقية ودعاة التحديث والانفتاح على تجارب الشعوب ومكتسباتها الحقوقية كما حصل مع مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية حيث تم توظيف هيئات العدول والخطباء والأئمة ضد المشروع، أو عند اقتراب موعد الانتخابات. والأخطر من هذا، تواطؤ هذه المجالس جميعها مع شيوخ التكفير والسكوت عن الرد على فتاوى التكفير والكراهية وتحريم عمل المرأة وسفرها دون محرم التي يروجون، بل تبنى فتاوى التكفير ذاتها كما حصل في الفتوى التي أصدرها المجلس العلمي الأعلى سنة 2012 بوجوب قتل المرتد.
3ــ معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات: مهما كانت المؤسسة حديثة في بنياتها التحتية ومعتدلة في برامجها التكوينية، فإن المشرفين على التكوين هم من يحدد ما يتلقاه الطلبة وما يشكل قناعتهم النهائية. طبعا لا يخفى على المكوِّنين أن المترشحات والمترشحين لاجتياز مباراة الالتحاق بالمعهد تأطروا على أيدي أساتذة وخطباء وأئمة من نفس التنظيمات الإسلامية. فغالبية هؤلاء المرشدات والمرشدين إن لم يكونوا جميعهم يرتبطون إما عضويا أو عاطفيا بالتنظيمات الإسلامية ويحملون مشروعها المجتمعي ويروجون لعقائدها ويدافعون عن مواقفها وينحازون إليها، مثلما انحاز إليها غالبية الفقهاء والخطباء في معركة خطة إدماج المرأة في التنمية.
نحن أمام استراتيجية خطيرة متعددة الوسائل، لكن هدفها واحد هو التحكم في الدولة والمجتمع وإخضاعهما لمشيئة هذه التنظيمات التي تلتقي عند مناهضة التحديث والدمقرطة، وفي المقابل تشد المجتمع إلى قوانين وأعراف غابر العهود والأزمنة. إن الإسلاميين يجيشون ويحشدون الأتباع ويوسعون شبكات التفريخ والاستقطاب والتأطير حتى إذا أرادت الدولة أن تختار من يؤطر الحقل الديني لن تجد غير أبتاع وأطر تنظيمات الإسلامي السياسي. وهذا الذي جعل الدولة تنجح في مقاربتها الأمنية لمحاربة الإرهاب وتفشل في مقاربتها الروحية والفكرية بدليل استمرار تناسل الخلايا الإرهابية بالمغرب وانتشار عقائد التطرف والتكفير بشكل رهيب تمكّن حتى من نفوس من ليسوا أعضاء في هذا التنظيمات. وتكفي إطلالة عابرة على تعليقات غالبية رواد المواقع الاجتماعية لتتضح الصورة التي غزا بها التطرف عقول الشباب. نحن إذن أمام تهديد حقيقي وخطير للأمن الروحي والفكري للشعب المغربي، وعلى من يهمهم الأمر الإسراع بتحرير المواقع الجامعية والمعاهد الدينية من قبضة تنظيمات الإسلام السياسي.
*سعيد الكحل: باحث مغربي.