بقلم: مصطفى الحسناوي*
كالعادة حدث سياسي مهم، يثير أسئلة كثيرة، ولاتوضيح. أتحدث هنا عن زيارة وزير خارجية أمريكا، مايك بومبيو، ومغادرته السريعة، دون أي توضيح من السلطات المغربية.
بعد وصوله يوم أمس الخميس، كان من المقرر أن يلتقي بومبيو، بعد استقباله من طرف وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، وإجراء مؤتمر صحفي، كلا من رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورجل الأمن القوي في المغرب، مدير الاستخبارات الداخلية، عبد اللطيف الحموشي، قبل أن يحضر مأدبة عشاء في ضيافة العائلة الملكية، ويجري محادثات مع الملك محمد السادس.
الزيارة قيل أنها ذات أبعاد وأهداف اقتصادية وأمنية.
لكن ماحصل هو أن وزير الخارجية الأمريكي، غادر مسرعا، في نفس اليوم، حيث تم إلغاء الندوة الصحافية مع ناصر بوريطة، ولم يتم اللقاء المنتظر مع عاهل البلاد، وألغي حفل العشاء.
لماذا لم تتم الزيارة التي كان من المقرر أن تدوم يومين؟
لماذا غادر بومبيو بسرعة وبشكل مفاجىء؟
هل الأمر كما قيل أن استهتار المسؤولين الأمريكيين بالمواعيد، وتغييرهم لها دون الرجوع للخارجية الأمريكية والتنسيق معها، هو الذي دفع المغرب، لإلغاء اللقاء مع الملك، وإلغاء مأدبة العشاء؟
هل السبب هو لقاء بومبيو بنتنياهو في البرتغال يوم الأربعاء؟
أم السبب هو تعب الملك بعد عودته من رحلة الغابون؟
هل المغرب هو الذي ألغى اللقاء مع الملك احتجاجا، أم بومبيو هو الذي قطع زيارته استهتارا؟
أم لا هذا ولا ذاك، وأن قطع الزيارة، جاء بسبب مشاكل في الإدارة الأمريكية، مرتبط بمشاكل ترامب التي لاتنته، وأن بومبيو له علاقة بهذه المشاكل؟
لماذا لم تخرج السلطات بأي توضيح، لقطع الشك باليقين؟
مهما كان الجواب، عن هذه الأسباب، فإن الزيارة لم تتم، لكن غالبا حققت أهدافها.
رغم ماقيل من أن الزيارة لها أبعاد وأهداف اقتصادية وأمنية، فإنني أرجح أن الهدف الرئيسي هو الهدف الأمني، والظاهر أنه تم تحقيقه، عن طريق لقاء بومبيو والحموشي، وهو اللقاء الأهم من لقاء العثماني، الذي كان سيكون لقاء للصم البكم بامتياز، بل لقاء الحموشي أهم حتى من لقاء بومبيو بالملك، لأنه كان سيكون، لقاء بروتوكوليا أكثر منه لقاء عمليا.
لا أعتقد أن أمريكا مهتمة بأي تعاملات اقتصادية مع المغرب، ولا حتى بعلاقات سياسية وديبلوماسية، بدليل أنها لم تعين سفيرا لها بالرباط، منذ أمد بعيد، بقدر ماهي مهتمة بالوضع الأمني والاستراتيجي والجيوسياسي.
قيل أن أمريكا تسعى في وساطات للتطبيع بين المغرب وإسرائيل، وقد تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية أيضا في الموضوع.
وأنها تحشد الأحلاف ضد إيران
وأنها ترص الصفوف ضد الإرهاب في إفريقيا.
وأعتقد أن المغرب لديه الكثير ليقدمه في هذه الملفات، بل ليس لديه مايقدمه إلا هذه الخدمات.
ولقد نوقشت فعلا هذه الملفات، كما تسرب إلى وسائل الإعلام، وأقرت أمريكا بالدور الريادي للمغرب في المجال الأمني، وفي محاربة الإرهاب على وجه الخصوص، وهو مايجعل التعاون الأمني أولى الأولويات، واللقاء مع الحموشي أهم اللقاءات، وبالتالي فقد حقق بومبيو من نصف زيارته هذه، ماجاء من أجله، بل كانت الثمار التي جناها مضاعفة، حتى وإن فوت على نفسه مأدبة، مُشَكلة من شتى الأطباق المغربية الأصيلة الشهية، بالقصر الملكي.
لكن هل حقق المغرب، أي هدف من هذه الزيارة؟
باستثناء استعراض المهارات البوليسية، والتباهي بالسمعة الأمنية، فإن المغرب لم يخرج عن هذا الإطار.
بالنسبة لي لاحرج في استعراض العضلات والقدرات والنجاحات الأمنية، لكن ألم يكن من الحكامة، استثمارها، لجني مكاسب على مستويات أخرى؟
ألم يكن من الحكمة، التفاوض بها، لصالح ملفات أخرى؟
أهم ملف عند المغرب هو ملف الصحراء، والمغرب يتباهى أن أمريكا في جانبه، لكنه موقف شفوي فقط، لا أثر له على الأرض، كان من المفيد جدا، استثمار الزيارة، والخروج بموقف أو تصريح أو بلاغ، بخصوص قضية الصحراء، يجعل المغرب متقدما خطوة على خصومه.
لكن لاشيء من ذلك حصل.
الخلاصة:
جاء بومبيو مسرعا، وغادر مهرولا، بعد نقاشات على المستوى الأمني، والعلاقات مع إسرائيل وإيران، جنى الثمار، وبقيت عشرات الأسئلة في قاعة الانتظار.
*مصطفى الحسناوي: صحافي مغربي مقيم بالسويد.