الصحافة _ وكالات
لا يتوقف خطاب المسيرة كثيرا عند استفزازات الانفصاليين في الكركرات، فهذه مسألة محسومة ولا ترد سوى على سبيل السياق. في المقابل يمضي الخطاب قدما في بسط الأهم: في انتظار العودة إلى طاولة الحكم الذاتي، المسار الدولي يراكم انتصارات متتالية في نزاع الصحراء، ومسار التنمية في الأقاليم الجنوبية سيسير بإيقاع المكتسبات القانونية الجديدة في ترسيم الحدود البحرية.
ينتمي الخطاب، وفق منطوقه وبنائه، لدينامية النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، التي أطلقها خطاب العيون سنة 2015، بعد انحباس دينامية الحكم الذاتي التي تبناها مجلس الأمن الدولي سنة 2007.
معادلة خطاب العيون قبل خمس سنوات كانت مبسطة: في انتظار استئناف مسار التفاوض الأممي حول الحكم الذاتي يقدم المغرب جوابه الوطني، دمقرطة جهوية ونظام للتنمية في مجموع أقاليم الصحراء.
لم تأخذ قضية الگرگرات حيزا كبيرا في الخطاب مقارنة ببسط المكتسبات الديبلوماسية ومشاريع التنمية الجديدة، يكتفي الخطاب هنا برسائل سريعة ومركزة: لن ننجر للمواجهة وسنواصل الالتزام بوقف إطلاق النار، ومسؤولية وقف التجاوزات هي من صميم صلاحيات الأمم المتحدة، لكن الرد بقوة وحزم يبقى واردا متى استدعت المصالح العليا للسيادة الوطنية ذلك.
في الواقع، لم يفصل الخطاب في هذه النقطة لأنها محسومة سلفا، رسالة الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة إلى المنتظم الدولي عقب تحركات البوليساريو شرق الحزام الأمني والكركرات قبل ثلاث سنوات كانت واضحة ومفصلة في الموازنة بين الخيارين العسكري والأممي.
خارج هذا الجواب السياقي، يتم تركيز الخطاب في خلاصتين:
– النصف الأول من الخطاب: قضية الصحراء حسمناها أمميا وإفريقيا وقانونيا وديبلوماسيا…
– النصف الثاني من الخطاب: سنواصل الحسم الميداني لقضية الصحراء من خلال استثمار جديد في المياه الإقليمية والصيد البحري والطاقات المتجددة.
الأهم في الخطاب هو تعزيز دينامية الجواب الوطني ممثلا في التنمية بالصحراء، المكتسب القانوني الجديد بشأن ترسيم الحدود البحرية يفتح آفاقا جديدة في الفرص المتاحة وإقامة شراكات دولية تعزز موقع الصحراء كمعبر تنموي جماعي نحو إفريقيا.
لم يدرج الخطاب ترسيم الحدود البحرية ضمن المكاسب الديبلوماسية في النزاع وكان بإمكانه ذلك، لكن التفاتة ديبلوماسية ودية تجاه إسبانيا أدرجته في نطاق التدابير الاقتصادية للتنمية الجهوية في الصحراء والتعاون الإقليمي، يؤشر ذلك بوضوح على ميل ظاهر نحو إدماج إسبانيا ضمن عناصر الحل وليس اعتبارها عنصر أزمة.
في سياق الخطاب لا شيء تغير في حالة الجمود التي أدت إلى انحباس دينامية الحكم الذاتي في المسار الأممي، وبتحيين للمعطيات الأخيرة هناك شغور في منصب المبعوث الأممي منذ استقالة هوريست كوهلر، وجمود في الحالة السياسية الجزائرية لا يؤهلها للتجاوب مع قرارات مجلس الأمن بشأن النزاع ومساهمتها السياسية في تسويته.
لذلك لا يضيف الخطاب جديدا لحالة الجمود ولا يحمل رهانات على الخروج منها. وبسبب ذلك يذهب رأسا نحو ترسيم حدود المكاسب المحققة من داخل مسار أممي جامد.
نشطت الديبلوماسية المغربية بمنهجيات مغايرة في قضية الصحراء، قرار العودة إلى الاتحاد الإفريقي أسس لتحول استراتيجي داخل القارة، وخارطة الخصوم أعيد تشكيلها بينما تنتج تحالفات مجلس الأمن أوضاعا دولية مريحة.
ذلك ما عدده الخطاب: مجلس الأمن ينتصر للحكم الذاتي/ الحل السياسي/ استبعاد المقاربات المتجاوزة/ الواقعية والتوافق/ الاختصاص الحصري لمجلس الأمن/ موجة سحب الاعترافات/ افتتاح القنصليات…
يشعر المغرب أنه في وضع مريح دوليا، والظرف مناسب تماما للذهاب بعيدا في تفعيل الجواب الوطني القائم على ثنائية الدمقرطة والتنمية، وكما يجري الآن بدء صفحة تنموية أخرى، ستجري السنة المقبلة انتخابات محلية وجهوية وتشريعية تشكل في كل مرة استفتاء على الاندماج الوطني..
قبل خمس سنوات انطلقت من العيون مسيرة تنمية الصحراء، وخمس سنوات بعد ذلك تنطلق منها حملة ديبلوماسية دولية جديدة في اتجاه الأمم المتحدة، وكما أكد على ذلك الخطاب، ومن موقع قوة أكثر هذه المرة، فإن الحكم الذاتي هو الحد الأقصى الممكن مهما تغيرت السياقات وبعض التفاصيل.
المصدر: أحداث أنفو