13 مليار درهم… بين الحقيقة والتغليط

28 مارس 2025
13 مليار درهم… بين الحقيقة والتغليط

الصحافة _ بقلم د. وصفي بوعزاتي

تم تداول رقم 13 مليار درهم كحجم الأرباح التي جناها مستوردو الماشية، حيث قيل إن 18 مستوردًا فقط استفادوا من هذا المبلغ الضخم، وهو رقم يستحق التدقيق والتحليل من منظور عارفٍ بشؤون الماشية والسياسات العمومية في هذا القطاع.
فرغم انتقادي للسياسات الحكومية في تدبير هذا الملف، أجد نفسي ملزمًا بتصحيح أي مغالطات، لأن الموضوعية تقتضي قول الحقيقة بعيدًا عن التهويل أو التبرير.
أولًا: دعم 500 درهم… ماذا حدث فعلًا؟
الحكومة قدمت دعمًا استثنائيًا بمناسبة عيد الأضحى الماضي، حيث خصصت 500 درهم لكل رأس غنم مستورد، ما كلف خزينة الدولة حوالي 450 مليون درهم (45 مليار سنتيم). هذه الأموال خرجت بالفعل من المال العام وذهبت إلى جيوب 18 مستوردًا او اكثر بقليل، أي بمعدل 25 مليون درهم لكل مستورد.
لكن السؤال الذي يجب طرحه هو:
هل انعكس هذا الدعم على أسعار الأضاحي؟ الجواب: لا.
هل كان الأولى تخصيص هذا المبلغ لدعم الفلاح الصغير والمربي المحلي بدل دعم الفلاح الأوروبي (خصوصًا الإسباني والروماني)؟ الجواب: نعم.
ثانيًا: ماذا عن 13 مليار درهم؟
الرقم الضخم الذي يتم الترويج له يبدو و الله أعلم (شخصيا أنا عاجز عن تبرير هذا الرقم) أنه يشمل الإعفاءات الجمركية والضريبية التي حصل عليها المستوردون (الخرفان و الابقار و اللحوم)، وليس دعمًا نقديًا مباشرًا كما قد يظن البعض. وهنا يجب التوضيح:
الدولة لم تدفع 13 مليار درهم للمستوردين، بل أعفتهم من دفع ضرائب ورسوم كانوا سيتحملونها في الظروف العادية.
هذه الإعفاءات لا يمكن احتسابها كأموال ضائعة، لأنها لم تكن ستدخل خزينة الدولة أصلًا لو لم يكن هناك استيراد.
رغم ذلك، فإن هذا الإجراء لم يحقق أي تأثير إيجابي على أسعار اللحوم، ما يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى جدواه.
ثالثًا: لماذا الخلط بين الدعم المباشر والإعفاءات؟
عندما يتم تقديم رقم 13 مليار درهم على أنه أرباح خالصة للمستوردين، فالأمر يعد مغالطة، لأن:
ما دخل خزينة هؤلاء المستوردين بشكل مباشر هو قرابة 450 مليون درهم، وليس 13 مليار درهم.
باقي المبلغ على الراجح هو مجرد إعفاءات، يمكن انتقادها كسياسة اقتصادية، لكن لا يمكن اعتبارها دعمًا ماليًا صرفًا.
إذا كان الهدف من هذه التسهيلات هو خفض الأسعار، فالجواب هو أن ثمن خروف العيد الماضي لم ينخفض و هذا كلام سجلناه إبانه… و لم ينعكس أيضا على ثمن اللحوم طبعا.
رابعًا: لماذا هذا الجدل الآن؟
من المثير أن بعض مكونات الحكومة نفسها بدأت تهاجم هذا الملف، حيث صرّح نزار بركة بأن المستوردين حققوا أرباحًا ضخمة على حساب المواطنين، في حين اعترف فوزي لقجع بأن دعم 500 درهم لم يكن قرارًا صائبًا.
لكن السؤال هنا:
لماذا لم يتم الحديث عن هذه الأرقام بشفافية منذ البداية؟ و لماذا لم يعارضوا هذه السياسة في حينها ، كونهم جزء من الحكومة و فاعلون بها؟
هل تأتي هذه التصريحات في سياق حملة انتخابية استباقية أكثر من كونها محاولة لتصحيح مسار السياسات العمومية؟
ألا تساهم هذه التصريحات المتأخرة في تدمير ما تبقى من ثقة المواطن في السياسة و السياسيين؟
خلاصة: ما المطلوب الآن؟
الحديث عن 13 مليار درهم كأرباح مباشرة للمستوردين فيه كثير من التهويل، لكنه في الوقت ذاته يفتح النقاش حول سياسات الدعم التي لم تنجح في تحقيق أهدافها.
ما نحتاج إليه الآن هو:
تصحيح المغالطات وعدم الخلط بين الدعم المباشر والإعفاءات الضريبية.
محاسبة الحكومة على قراراتها التي لم تحقق الأثر المطلوب (المسؤولية السياسية ثابتة).
توجيه الدعم مباشرة للمربين المحليين بدل منح التسهيلات لمستوردي الأزمات.
في النهاية، النقد الموضوعي للسياسات الحكومية لا يعني القبول بأي أرقام متداولة دون تدقيق، بل يفرض علينا تقديم تحليل دقيق ومنطقي، لأن الحقيقة وحدها هي التي تخدم المصلحة العامة.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق