بقلم: مراد بورجى
كان لابد أن أنتظر استكمال حكومة الملياردير عزيز أخنوش، لـ100 يوم من تدبير الجهاز التنفيذي كي يُقدم حصيلة أولية كما دأب على ذلك رؤساء الحكومات السابقون.
فحكومة كبير تُجار المحروقات حازت على ثقة مجلس النواب رسميا طبقا للفصل(88) من الدستور، يوم الأربعاء 13 أكتوبر 2021، معتمدة بالأساس على مقاعد التحالف الحكومي الثلاثي (الأحرار والبام والاستقلال) الذي شكل منه الحكومة.
حكومة بأغلبية مريحة لدرجة الهيمنة، هذه الهيمنة ما كانت لتكون لولا أن وهبها له السي “وهبي” وبارك له فيها السي “البركة” وجعلا مقاعد حزبيهما رهن إشارته، فقَبِل “عزيز المغرب” طلبهما للانضمام إلى حكومته، فيما رفض باقي الطلبات، وفرض فرضًا أن يكون حزب الاتحاد الاشتراكي في المعارضة ليتزعمها كرهًا!!
أمس الأحد 23 يناير تكون قد انتهت مهلة الـ100 يوم الأولى من عمر حكومة الأحرار، و”المناسبة شرط”، كما يُقال، فهي فرصة لمقاربة هذه المائة يوم من خلال ما أعلن عنه رئيسها عزيز أخنوش، أو صرح به خلال خرجاته الإعلامية الاستباقية، خلال الأسابيع القليلة الماضية.
نبدأ بما يمكن وصفها أنها أهم “مناورة” لرئيس الحكومة أسال بها الملياردير عزيز أخنوش لعاب العاطلين عن العمل، وتتمثل في توقيعه يوم الأربعاء 12 يناير من الشهر الجاري على منشور أعلن فيه عن إطلاق برنامج أسماه “أوراش”، يدعي فيه أنه سيحدث 250.000 فرصة شغل مباشر في إطار ما روج له السي عزيز في الإعلام أنه تنزيل لمشروع “الدولة الاجتماعية”، التي أعلن عنها، خلال برنامجه الانتخابي، الذي وعد فيه المغاربة بإحداث مليون منصب شغل.
وللزيادة في التضخيم، أعلن عزيز أخنوش في بلاغ عممته رئاسة الحكومة على المؤسسات الإعلامية أنه بعث بهذا المنشور إلى الوزراء والوزراء المنتدبين والمندوبين السامين والمندوب العام تطلب منهم العمل على تفعيل مضامينه.
لكن بمجرّد أن نتفحّص التفاصيل التي وردت في هذا المنشور سرعان ما تنكشف لك اللعبة ونفهم أن الـ250 ألف منصب شغل، التي أعلن عنها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، هي مناصب “مُؤقتة” فقط، ولا يتعدى الراتب عليها الحد الأدنى للأجور.
من جهة أخرى، المنشور يتحدث عن مناصب شغل “محدودة زمنيًا” في سنتي 2022 و2023 فقط. وأكثر من هذا، فإن السي أخنوش صرح للقناتين أن هذه المناصب هي عبارة عن عقود عمل لفترات من شهر إلى ستة أو سبعة أشهر في أحسن الأحوال، وأوراشها مؤقتة وظرفية قد لا تتعدى أحيانا الشهرين، كما جاء على لسان رئيس الحكومة نفسة خلال مروره التلفزيوني الضعيف.
أي إن مناصب الشغل الـ250 ألف هاته التي أعلن عنها السي أخنوش ليست سوى نوع من “التدريب عن الشغل” مُؤدى عنه أي “stages rémunérés”، وقد قال أخنوش لصحافيي القناتين إن هذا من شأنه أن يُعلِّم العامل على القيام بالعمل، ويتسلم بعد ذلك شهادة من المُشغل قد تُعينه في البحث عن فرصة عمل حقيقية…
والخطير في هذا كله هو أن هذه الشهور القليلة جدًا التي سيستفيد منها 250 ألف مغربي ستُكلف جيوب المغاربة من أموال الضرائب 450 مليار سنتيم خلال هاتين السنتين، سيدفعها أخنوش لأصحاب المقاولات التي “ستقبل” تشغيل المستفيدين من العمل في أوراش مُؤقتة وعرضية لمدد قصيرة تتراوح بين الشهرين والستة أشهر أو سبعة، ثُم تُعيدهم بعد ذلك للهشاشة ونقطة الصفر.
بصريح العبارة، إن أخنوش وحكومته يضحكون على الدقون ويُحاولون استغباء المغاربة من خلال الضجيج الإعلامي، الذي مازالوا يقيمونه بإعلانهم المتباهي عن تلك الـ250 ألف فرصة شغل، التي لن تُمكن المستفيدين منها من ضمان أي مستقبل يُمكنهم من الاستقرار في بيت للعيش الكريم.
إذا كان قد اتضح جليًا لحد الآن أن خلق فرص الشغل التي وعد بها رئيس الحكومة أخنوش خلال حملته الانتخابية ليست سوى وعود “كاذبة”، ففي المقابل فإن السي عزيز كبير رجال المال والأعمال يفي بوعوده بدعم الباطرونا بالعطايا تحت بند تشجيع الاستثمار.
فقد بادر عزيز أخنوش بالإعلان يوم الاثنين 29 نونبر 2021، عن ضخ 13 مليار درهم “أي 1300 مليار سنتيم” لفائدة مقاولات القطاع الخاص، لأداء مستحقات الضريبة على القيمة المضافة.
والحال أنه كان على رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، على الأقل، أن يقسم الـ1300 مليار سنتيم إلى نصفين، نصف يدعم به المقاولات، خصوصا منها الصغرى والمتوسطة، والنصف الثاني يشرع به من الآن في أداء “مدخول الكرامة” الذي وعد به لفائدة المسنين، الذين تفوق أعمارهم 65 عاماً بقيمة 1000 درهم، وتقديم منحة 2000 درهم عن المولود الأول لكل امرأة، وكذا تسليم مبلغ 300 درهم شهريا للأسر التي لديها طفل متمدرس؛ للتأكد من استمراره في مشواره الدراسي، ورفع أجور المدرسين إلى 7500 درهم بدل 5000 درهم، إلى غير ذلك من الوعود “الوهمية” لحد الآن أيضًا.
والحال، أيضا وكذلك، أنه كان على رئيس الحكومة أن يفكر في إخضاع ضخ هذا المبلغ المالي الكبير المتمثل في 1300 مليار سنتيم، الذي سيخرج من مالية الشعب، في هذه الفترة العصيبة، لفتح نقاش مع الباطرونا لدفعهم إلى تقديم التزامات بتشغيل نسبة من الشباب مثلًا.
وإذا كان رئيس الحكومة، قد قال، في مروره المتلفز، إنه لا يمكنه الكلام عن أي إصلاح لصندوق المقاصة، الذي يُكلف جيوب المغاربة مبلغ 17 مليار درهم!، فإنه في المقابل نسي أو تناسى أنه مطالب “بصفاته كلها” باسترداد مبلغ 1700 مليار سنتيم، التي جاءت في تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، ومطالب بالعمل على تفعيل قرار مجلس المنافسة الذي ورد في بلاغ الديوان الملكي، والذي يدين شركات المحروقات وعلى رأسها شركة إفريقيا للمحروقات التي يملكها، ويُطالبها بأدائها لنسبة تتراوح بين 08% و09% من مداخيلها التي قررها المجلس لفائدة خزينة الدولة، وبنفس السرعة التي ضخ بها 1300 مليار لفائدة المقاولات.
وكان عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، قد طالب رئيسه في الحكومة عزيز أخنوش، علانية، بإرجاع 17 مليار درهم إلى خزينة الدولة، التي أشار إلى أنه جناها، بشكل غير شرعي، من أرباح المحروقات.
أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة وهبي كان قد وجّه، كذلك، أصابع الاتهام إلى احفيظ العلمي، هو أيضا، في قضية صفقة تفويت شركة “ساهام” للتأمين لمجموعة “سانلام” الجنوب إفريقية، التي فاقت المليار دولار، والتي بلغت حصة العلمي لوحده 452 مليون دولار، وتم الاحتيال على الدولة بقانون يعفي الوزير السابق من أداء 40 مليار سنتيم تقريبا لفائدة خزينة الدولة، فلماذا لم يبادر أخنوش بمطالبة احفيط العلمي بارجاعها.
لماذا لم يفتح رئيس الحكومة عزيز أخنوش تحقيقًا عندما كشفت منظمة النزاهة المالية العالمية المعروفة اختصارا بـ”GFI”، في تقرير لها، أن الفواتير التجارية المزيفة في عمليات الاستيراد والتصدير كبّدت المغرب خسارة قدرتها المنظمة بـ600 مليار درهم، خلال العشر سنوات الماضية، أي ما يعادل 60 مليار درهم سنويًا.
لماذا لم يسارع رئيس الحكومة عزيز أخنوش لفرض ضريبة على الثروة، أم أن أخنوش أظهر شجاعته فقط بإصدار قرار سحب مشروع تجريم الإثراء اللامشروع ليؤكد المنحى الذي خلقه الجهاز التنفيذي، من خلال برنامجه الحكومي الخالي من أي إجراءات للتخليق ومحاربة الفساد…
الملياردير عزيز أخنوش “فالح” فقط في الاستعمال المبالغ فيه لاسم الملك محمد السادس في كل خرجاته الإعلامية، حتى بات مسألة مثيرة تطرح أكثر من علامة استفهام حول المغزى من من هذه الممارسة اللاديمقراطية التي توحي بالاختباء وراء الملك.
الملك نفسه طالما نبّه إلى ضرورة الابتعاد عن استعمال غطاء الملك، بل وأعلن عن انتقاده وغضبه ذاك، في خطاب رسمي، إذ قال: “عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون إلى الواجهة، للاستفادة سياسيا وإعلاميا، من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، فيتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه”…
اسم الملك، لن يعفي السي أخنوش وحكومته من المحاسبة على أعمالها، التي تتحمّل كامل مسؤولياتها، بدءا من البرنامج المعلن في الحملة الانتخابية، إلى البرنامج المتفق عليه بين الأحزاب الثلاثة للأغلبية الحكومية، وإلا سنكون أمام وضعٍ هو الذي دعا الجالس على العرش إلى أن يقول إنه، “من حق المواطن أن يتساءل: ما الجدوى من وجود المؤسسات، وإجراء الانتخابات، وتعيين الحكومة والوزراء”…
فهل يكُفُّ عزيز أخنوش عن تعليق فشله على شمّاعة الملك.
يتبع…