الصحافة _ كندا
رغم الانتقادات الواسعة التي طالتها من داخل البرلمان وخارجه، صادقت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، مساء الثلاثاء، على مشروع قانون المسطرة الجنائية، متضمناً المادة الثالثة المثيرة للجدل، والتي تمنع الجمعيات من التبليغ عن جرائم الفساد، وسط تمسك مطلق من وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي سبق أن تعهد بعدم السماح بأي تعديل يمس هذه المادة.
قرار اللجنة فجّر موجة من الغضب لدى الفعاليات المدنية والحقوقية، التي اعتبرت أن الحكومة تسير عكس تيار مكافحة الفساد، وتُشرعن لتكميم أفواه الجمعيات المدنية التي طالما لعبت دوراً محورياً في فضح قضايا نهب المال العام واستغلال النفوذ.
محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عبّر في تدوينة قوية عن استغرابه من هذا الإصرار على إضعاف دور المجتمع المدني، قائلاً إن “الفساد يسير بخطى ثابتة نحو استكمال دائرته والانتصار على كل الخطابات والمؤسسات، في ظل تواطؤ سياسي مكشوف”.
وأضاف الغلوسي أن العقل السياسي الذي يُخطط وينفّذ لا يريد مؤسسات تضمن التوازن بين السلطة والرقابة الشعبية، بل يعمل على تفكيك ما تبقى من هذه الآليات، في محاولة لإعادة تشكيل منظومة الحكم على مقاس “الحيتان الكبيرة”، متسائلًا: “من يساعد هؤلاء على المضي قدماً في هذا النهج دون خوف أو تردد؟”.
وتابع بالقول إن الحكومة، وبدعم من جزء من المؤسسة التشريعية، تُمعن في تقنين الحصانة لفئات معينة، عبر قوانين تضيّق الخناق على المساءلة، وتحوّل الجمعيات الحقوقية إلى مجرد ديكور ديمقراطي لا سلطة له ولا دور، مشدداً على أن ما يحدث يشكل خروجاً صريحاً عن مقتضيات الدستور، وضرباً لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب.
وذهب الغلوسي إلى أبعد من ذلك، حين قال إن المؤسسات الدستورية التي عبّرت عن رفضها للمادة 3، وجدت نفسها موضوعة في خانة التهميش، متهماً أصحاب هذا التوجه بالسعي نحو “دولة فوق الدولة”، حيث يتغوّل الفساد، ويُشرعن الريع، ويُعمّم الإحساس بالظلم و”الحكرة”.
في ضوء هذا الجدل، تطرح المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية نفسها كسؤال سياسي وأخلاقي قبل أن تكون مجرد مقتضى قانوني، وسط دعوات متصاعدة لإسقاطها دفاعاً عن الحد الأدنى من التوازن بين الدولة والمجتمع، والحفاظ على مكتسبات الرقابة المدنية في مكافحة الفساد.