الصحافة _ بقلم: عبد الله الترابي
لماذا لم ينجح حزب التجمع الوطني للأحرار ، رغم توفره على أكبر عدد من الوزراء والبرلمانيين والمنتخبين بالمغرب في إفراز شخصيات سياسية قوية قادرة على الدفاع عن أداء الحكومة والحزب؟ لماذا مثلا تحول لقاء الحزب نهاية الأسبوع الماضي بالداخلة من تظاهرة كان من المفترض فيها إطلاق الحملة الانتخابية (غير الرسمية) للحزب إلى مناسبة للتندر والتقشاب على تدخلات المنتسبين اليه، بدون أي خطاب سياسي واضح، حيث كان الكل لا يتكلم إلا عن رئيس الحزب وخوارقه و كراماته السياسية !
السبب، في تقديري، يكمن في التحول الذي أحدثه عزيز أخنوش داخل التجمع الوطني للأحرار، وتحويله إلى “حزب رئاسي” أي إلى منظمة سياسية لا وجود لها إلا من خلال زعيمها والكل يدور في فلكه الشخصي، أي أن قياديي الحزب وأعضاءه هم في مصاف المتعاونين المدينين لرئيسهم بكل شيء، فعزيز أخنوش هو الذي يقرر في كل صغيرة وكبيرة، بمعيار الولاء الشخصي والقرب.
منذ إنشائه سنة 1978، ظل التجمع الوطني للأحرار تكتلاً للأعيان يجمعهم أفق وحيد هو المشاركة في الحكومة والتواجد في البرلمان، ورغم أن قائد الحزب يحمل لقب “رئيس” إلا أنه لم يكن مهيمناً بشكل طاغٍ حيث إن بارونات الحزب وقيادييه كانت لهم امكانية الإطاحة به واستبداله وفقاً لتوازنات المرحلة ومزاجها السياسي. غير أن أخنوش غيّر كل ذلك بفضل قوته المالية وقدرته على التخطيط والتنظيم، حيث سيتمكن منذ البداية من إزاحة وتحجيم كل القيادات القديمة والبارونات التقليديين للحزب وجعلهم في خدمة سلطته ومصالحه الشخصية.
المشكل مع العديد من خصوم أخنوش أنهم استهانوا به نظراً لقدراته المحدودة في الخطابة ولتقطع مساره السياسي ، غير أنه يعوض كل هذا بذكاء كبير في فهم طبيعة الدولة بالمغرب وطريقة عملها وإدراكه لموازين القوى والبحث عن حلفاء له في دوائر تبدو أحياناً متنافرة، وموهبته في ربط شبكات المصالح السياسية والاقتصادية بالمغرب بمصالحه الشخصية. هذا ما سيعطينا واحداً من أقوى السياسيين بالمغرب في تاريخنا الحديث، حيث إنه لم يسبق لرئيس حكومة أن كان بنفس هذا التأثير في قطاعات حيوية مختلفة (المحروقات والطاقة، الفلاحة، الإعلام، تسيير الشأن العام والمحلي…)، وبنفس ذلك القدر من تضارب المصالح، الحقيقية أو المفترضة.
هيمنة أخنوش هي أيضاً نقطة ضعفه وسر هشاشته السياسية والحزبية، حيث إنه لا يجد من يدافع عنه وقت الأزمات أو ساعة تقديم الحصيلة، لأنه كجنرال يدخل الحرب بمفرده، لديه بلاط وحاشية، لكن ليس له مناضلون ونشطاء قادرون على شرح اختياراته وتوجهاته. الحزب تحت زعامة أخنوش لم يستطع فرز شخصيات مستقلة بذاتها وقادرة على خلق خطاب متماسك وذي مصداقية، كما كان الحال عند الأحزاب التي قادت الحكومة في الربع قرن الأخير (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال، العدالة والتنمية). هذا أيضاً ما يفسر الغياب التام للكثير من الوزراء المنتمين للتجمع وعدم قدرتهم على التواصل السياسي، والدفاع حتى عن عملهم في قطاعاتهم، فبالأحرى الحديث في الشأن العام والمسائل السياسية والمجتمعية، كما يفعل الوزراء ذوو التجربة السياسية.
طريقة عمل أخنوش وتصوره لدور الحزب وللمنتمين له، مكنته من الفوز بانتخابات 2021، لكنها ألحقت ضرراً كبيراً بالحياة السياسية المغربية وخلقت فراغاً كبيراً يضعف المؤسسات الدستورية للبلاد، وخصوصاً الحكومة والبرلمان، وجعلت النقاش العام مستحيلا نتيجة فهم عقيم للسياسة وجعلها فقط مسألة تدبير تقني محض لأمور البلاد والعباد، هذا الفراغ يؤجج الشعور بالإحباط والغضب عند قطاعات كبيرة من المواطنين، خصوصا في وقت الأزمات، ويترك الدولة لوحدها في وجه المطالب الشعبية وتقلباتها.