الصحافة _ بقلم: منصف الادريسي
في خطوة حاسمة تعكس عدم رضا رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن أداء وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، ترأس أخنوش اجتماع لجنة القيادة المكلفة بـ”عرض المغرب” في مجال الهيدروجين الأخضر، دون أي حضور أو تمثيل لبنعلي، في إشارة واضحة إلى سحب هذا الملف الحساس من يدها، وذلك بعد سلسلة من التصريحات المثيرة للجدل للوزيرة، والتي أظهرت تناقضا صارخا مع التوجيهات الملكية الداعية إلى تسريع وتيرة الاستثمار في الطاقات المتجددة، وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر.
وكانت ليلى بنعلي قد صرحت، خلال لقاء نظمته مؤسسة الفقيه التطواني قبل أسابيع، بأن الدولة لن تقدم أي دعم مالي لمشاريع الطاقات الجديدة، بما فيها الهيدروجين الأخضر، محملة القطاع الخاص وحده مسؤولية تحمل المخاطر المالية والتكنولوجية، وهو التصريح الذي لم يمر دون تداعيات، إذ لم يثر فقط استياء الفاعلين في المجال، بل فتح الباب أمام أزمة صامتة داخل الحكومة، خصوصا بعدما استغلته وسائل إعلام جزائرية وصفحات معادية للوحدة الترابية للمملكة لتقديم صورة مشوهة عن الاستراتيجية المغربية في الطاقات المتجددة، وهو ما زاد من الضغط على الحكومة لاتخاذ موقف واضح تجاه الوزيرة.
وبينما دعا الملك محمد السادس، في جلسة العمل الملكية بتاريخ 22 نونبر 2022، إلى تسريع تنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة، أظهرت ليلى بنعلي ترددًا غير مبرر، وواصلت تقديم تصريحات تتناقض مع هذا التوجه. ففي اجتماع برلماني يوم 22 يناير 2025، زادت الطين بلة بتصريحها بأن “عرض المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر قد يتوقف إذا لم يكن تنافسياً بحلول عام 2030″، وهو ما عكس غياب رؤية استراتيجية واضحة لديها، وطرح تساؤلات حول مدى أهليتها لتدبير هذا الورش الوطني الحاسم.
في المقابل، لم ينتظر رئيس الحكومة طويلا للتحرك، حيث شهد الاجتماع الذي غابت عنه ليلى بنعلي، انتقاء خمسة مستثمرين وطنيين ودوليين لإنجاز ستة مشاريع كبرى في الجهات الجنوبية الثلاث للمملكة، باستثمارات تناهز 319 مليار درهم، تشمل إنتاج الأمونياك، والوقود الاصطناعي، والفولاذ الأخضر. وضمت هذه الاستثمارات تحالفات عالمية قوية من الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا، الإمارات، السعودية، والصين، ما يؤكد ثقة المستثمرين الدوليين في “عرض المغرب” رغم تذبذب خطاب الوزيرة المعزولة عن المشهد.
كما تم خلال الاجتماع التأكيد على استمرار مسطرة انتقاء المشاريع في إطار “عرض المغرب”، ما يرسخ موقع المملكة كوجهة رائدة للاستثمار الطاقي، وذلك ضمن رؤية استراتيجية تم وضع أسسها بوضوح في منشور رئيس الحكومة بتاريخ 11 مارس 2024، والذي شدد على ضرورة تسريع تنزيل هذه المشاريع وفق أعلى معايير الشفافية والنجاعة.
ويعكس إقصاء ليلى بنعلي من اجتماع لجنة القيادة للهيدروجين الأخضر، نفاد صبر رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إزاء أدائها المرتبك ومواقفها التي عرقلت واحدا من أهم المشاريع الاستراتيجية للمملكة. فبعد سلسلة من التصريحات التي شكلت تهديدًا للرؤية الملكية، لم يعد بالإمكان التغاضي عن الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الوزيرة الوصية على القطاع الطاقي، خاصة بعد أن استغلت جهات معادية للوحدة الترابية للمغرب تصريحاتها لخلق ضبابية حول التوجه المغربي في الطاقات المتجددة.
ويبدو أن عزيز أخنوش، الذي يدرك جيدًا حساسية هذا الورش، لم يعد مستعدا لتحمل تبعات التخبط السياسي للوزيرة ليلى بنعلي، وهو اليوم يسابق الزمن لضمان تنزيل “عرض المغرب” بعيدًا عن العراقيل التي وضعتها. فالمغرب، الذي يعزز موقعه كقوة إقليمية في الطاقات المتجددة، لا يمكنه أن يسمح بأن تبقى إحدى أكبر رهاناته الوطنية رهينة بوزيرة تفتقر للرؤية والاستراتيجية، في وقت يتطلب هذا القطاع قيادات ذات كفاءة وحزم قادرة على تنفيذ التوجيهات الملكية بصرامة ودقة.