هل يصبح المغرب ركيزة واشنطن الجديدة في مواجهة الاضطراب الأوروبي؟

20 مارس 2025
هل يصبح المغرب ركيزة واشنطن الجديدة في مواجهة الاضطراب الأوروبي؟

الصحافة _ بقلم: فيصل مرجاني

في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، باتت الولايات المتحدة تعيد رسم ملامح انتشارها الاستراتيجي بما يتلاءم مع مستجدات التوازنات الإقليمية والدولية.

فمنذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أصبحت مقاربة واشنطن أكثر براغماتية، قائمة على استثمار التحالفات ذات الطابع العملي بدل التمسك بالتحالفات التقليدية التي لم تعد تلبي المتطلبات الجيوستراتيجية الجديدة. في هذا السياق، يبرز تعيين دوك بوشان، أحد أبرز ممولي حملة ترامب الانتخابية، كمؤشر على إعادة توجيه الأولويات الأمريكية في منطقة شمال إفريقيا وجنوب أوروبا.

فبوشان، الذي سبق أن شغل منصب سفير الولايات المتحدة في إسبانيا خلال الولاية الأولى لترامب، لم يكن مجرد دبلوماسي تقليدي، بل كان عنصراً فعالاً في صياغة رؤية جديدة للانتشار العسكري الأمريكي، وهي الرؤية التي يبدو أنها دخلت اليوم حيز التنفيذ عبر مناورات دقيقة، تتداخل فيها الحسابات الجيوسياسية والمصالح الاستراتيجية.

ترتكز الاستراتيجية الأمريكية على مراجعة موقعها العسكري في جنوب أوروبا، حيث تعتبر قاعدة “روتا” في إسبانيا أحد المرتكزات الرئيسية للانتشار العسكري الأمريكي في المتوسط. غير أن التوجه الجديد للإدارة الأمريكية يدرس إمكانية نقل هذه القاعدة نحو المغرب، في خطوة من شأنها إعادة رسم موازين القوى في المنطقة. هذه الخطوة، التي لا تزال في طور التخطيط، أثارت مخاوف لدى أجهزة الاستخبارات والدبلوماسية الإسبانية، التي تحاول بشتى الوسائل عرقلة هذا التوجه.

فإسبانيا تدرك أن فقدان القاعدة العسكرية سيشكل ضربة استراتيجية لها، خاصة في ظل تصاعد التوترات الداخلية المتعلقة بالنزعة الانفصالية في كتالونيا من جهة، والصراع على النفوذ في المتوسط من جهة أخرى.

التحركات الإسبانية لم تقف عند حدود الضغط الدبلوماسي، بل امتدت إلى تصريحات إعلامية غامضة، حيث بدأت بعض الشخصيات المقربة من دوائر القرار في مدريد تتحدث عن “أزمات مستقبلية محتملة” بين المغرب وإسبانيا دون تحديد طبيعة هذه الأزمات.

هذا الغموض يشي بمحاولات إسبانية لتوجيه الرأي العام نحو تبني موقف حذر تجاه الرباط، خصوصاً أن المغرب بات يشكل محوراً إقليمياً مستقلاً، يعزز علاقاته مع الولايات المتحدة دون الحاجة إلى وساطات أوروبية.

إذا كانت إسبانيا تسعى لإجهاض المخطط الأمريكي، فإن فرنسا اختارت مقاربة مختلفة، قوامها التكيف مع التحولات الجارية بدل مواجهتها. باريس تدرك أن التأثير الأمريكي في شمال إفريقيا لم يعد يقتصر على الأبعاد الدبلوماسية والاقتصادية، بل بات يمتد إلى المجال العسكري، حيث بدأت الإدارة الأمريكية في تعزيز وجودها في المغرب من خلال مناورات عسكرية متزايدة.

في هذا السياق، أطلقت فرنسا عملية تدريب عسكرية مشتركة مع المغرب تحت اسم “تمرين العقرب”، والذي أقيم في نفس المنطقة التي تفضلها واشنطن لإقامة قاعدتها العسكرية الجديدة، جنوب شرق المملكة، وتحديداً في جهة الراشيدية.

هذه الخطوة لا تعكس فقط محاولة فرنسية للحفاظ على نفوذها العسكري في المغرب، بل تكشف أيضاً عن إدراك باريس لحتمية التحولات الجارية، وسعيها للتموضع داخل هذه الدينامية الجديدة. فبدلاً من مقاومة التوجه الأمريكي، يبدو أن فرنسا اختارت خيار “التكامل الاستراتيجي”، الذي يسمح لها بالبقاء داخل المعادلة الجديدة دون أن تكون في مواجهة مباشرة مع واشنطن.

في قلب هذه التحولات، يبقى المغرب هو الطرف الذي يتحرك وفق رؤية متكاملة تتجاوز الأبعاد العسكرية المباشرة. فبينما تركز القوى الإقليمية والدولية على إعادة توزيع النفوذ العسكري، يبدو أن الرباط تعتمد على مقاربة مزدوجة، تقوم على تعزيز التعاون الأمني مع واشنطن، مع الإبقاء على منطقة الصحراء المغربية كقطب اقتصادي وسياحي، وليس كمنطقة عسكرية خالصة. هذه السياسة تعكس فهماً مغربياً دقيقاً للرهانات الجيوسياسية، حيث يدرك صناع القرار في الرباط أن تحويل الصحراء إلى منطقة عسكرية سيؤدي إلى استثارة مخاوف أوروبية، وسيمنح خصوم المغرب فرصة للترويج لخطاب النزاع وعدم الاستقرار.

لذلك، فإن المملكة تراهن على تحويل جنوب المغرب إلى قطب اقتصادي عالمي، قادر على استقطاب الاستثمارات الكبرى، وإعادة توجيه المنطقة نحو أدوار جديدة تخرجها من ثنائية الصراع العسكري والتوتر الإقليمي.

ما نشهده اليوم ليس مجرد إعادة انتشار عسكري أمريكي، بل هو إعادة تشكيل لمعادلات القوة في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا. واشنطن تدرك أن التموقع الاستراتيجي في المنطقة لا يمكن أن يظل ثابتاً وفق المعادلات الكلاسيكية للحرب الباردة، ولذلك تسعى إلى تعزيز وجودها في المغرب، مستفيدة من استقراره السياسي ورؤيته التنموية الطموحة.

في المقابل، تجد إسبانيا نفسها أمام مأزق جيوسياسي، حيث تخشى فقدان مكانتها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، بينما تحاول فرنسا احتواء التحولات الجارية عبر تعزيز شراكتها العسكرية مع المغرب.

في ظل هذه المعادلة، يبدو أن المغرب بات يتحول إلى فاعل محوري قادر على إعادة تعريف موقعه داخل النظام الدولي، ليس فقط من خلال تعميق تحالفاته الاستراتيجية، ولكن أيضاً عبر فرض رؤيته الخاصة التي تدمج بين الأمن والتنمية، وتعيد توجيه المنطقة نحو أفق جديد يتجاوز ثنائية الهيمنة العسكرية والصراعات التقليدية.

 

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق