بقلم: الحسن زهور
ما ورد مؤخرا في مداخلة لرئيس حركة “التوحيد والإصلاح”، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، يجب أن لا يمر مرور الكرام بدون أن ننوه به أولا، وبدون أن نقرأه إيجابيا باعتباره خطوة في مسار مراجعات فكرية وسياسية لإسلاميي العدالة والتنمية ثانيا. فما صرح به السيد الشيخي رئيس الجماعة في مداخلته المتعلقة بالحريات الشخصية والفردية، هي اجتهاد ديني وسياسي في نفس الوقت:
– اجتهاد ديني، هو في الأصل إعادة ونفض الغبار عن اجتهادات بعض الفقهاء القدامى في التاريخ الإسلامي في ما يتعلق بالعلاقة الجنسية خارج الزواج، والتي تعتمد في حكمها الشرعي على تجريم هذه العلاقة الجنسية بناء على الرؤية الواضحة والبينة للعملية الجنسية المشروطة بتكرار طرفي العلاقة لعملية “دخول المرود في المكحلة” وبشهادة عينية من أربعة شهود ثقات، أي أن العقوبة تتعلق بهذه العملية وفق شروطها الآنفة الذكر.
– إعادة الحياة لهذا الاجتهاد الديني سيثير نقاشا ساخنا بين الاسلاميين، وسيكسر جمودهم الفكري في مجال الحريات الفردية كما سينعكس حتما (عاجلا أم آجلا) على الجانب الإيديولوجي السياسي لحزب العدالة والتنمية ليغير تشدده وموقفه السلبي من الحريات الفردية والشخصية، حيث سبق للبرلمانية السيدة ماء العينين أن دعت حزبها إلى التحلي بالشجاعة لمراجعة موقفه من القوانين التي تمس الحريات الشخصية والفردية، لكنها جوبهت بالرفض من طرف حركة “الإصلاح والتوحيد” بدعوى أن هذه البرلمانية غير مؤهلة للحديث في الموضوع، ليخرج علينا أخيرا رئيس الحركة بموقف أبعد في الشجاعة من موقف السيدة ماء العينين.
ورد موقف الأستاذ الشيخي رئيس حركة “الإصلاح والتوحيد” حول العلاقة الجنسية خارج الزواج في مداخلته يوم الجمعة 4 أكتوبر 2019 أثناء مناقشة كتاب “الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا” لعضو المكتب التنفيذي للجماعة الأستاذ الحسين الموس (مداخلته منشورة على شكل فيديو بالأنترنيت)، فقد ورد في مداخلته :”… إذا كانت قضية الحرية الدينية أصبحت محسومة بنص الدستور، بما في ذلك المعتقد الديني، فإن قضية العلاقات الجنسية خارج الزواح ينبغي تحرير القول فيها”. وتابع الشيخي موضحا: “ينبغي أن نتساءل أين الجريمة حين يتعلق الأمر بالعلاقات بين الشباب خارج الزواج، ففي السابق كان المجتمع يرفض هذا النوع من العلاقات، لكن الظاهرة أصبحت اليوم شائعة، وأضحت العلاقات تبدأ من السلام إلى المصافحة، وقد تصل إلى القبل، وربما إلى العلاقات الجنسية، ونحن نعرف أن المجرم قانونيا والمحرم شرعا هو الزنا، أي الفساد بلغة القانون، وما دون ذلك لا أعتبره جريمة قانونيا”.
أولى الملاحظات في هذا التصريح الجديد للأستاذ الشيخي، والذي يدخل في إطار الاجتهاد، إن لم نقل هو إعادة لاجتهادات سابقة للسلف من المجتهدين كما قلنا سابقا هي:
أولا: المفاهيم التي اعتمد عليها السيد الشيخي في تصريحه الاجتهادي هي مفاهيم يرجع فيها إلى الدستور وإلى القانون بدلا من الرجوع إلى الشرع والشريعة التي دأب الإسلاميون سابقا على الارتكاز عليها والدعوة إلى تطبيقها، وهذا تطور كبير سيمثل مراجعة فكرية وإيديولوجية إذا دفع مكتب الحركة في هذا الاتجاه.
ثانيا: اجتهاد السيد الشيخي يمكن ربطه بالتحول السياسي الذي يشهده الحزب مع السيد العثماني في قطعه للضبابية السياسية والفكرية للحزب التي عرف بها في عهد السيد بنكيران (التناقض بين ما يعلنه الحزب علنيا وسياسيا وبين ما تصرح به شبيبته ودعاته بما فيه ما يعلنه السيد بنكيران شخصيا في اجتماعاته الحزبية)، وأولى بوادر هذه القطيعة مع ضبابية السيد بنكيران هو ما خرجت به مؤخرا مشاورات أعضاء الحزب لتذويب الخلافات والتي قطعت مع توجهات السيد بنكيران.
ثالثا: لا يمكن إلا أن نثمن ما صرح به رئيس حركة “الإصلاح والتوحيد” لأنه من مصلحة وطننا المغربي أن يواكب التقدم الحضاري اليوم مستندا على خصوصيته الثقافية المتنورة بدلا من إرجاعه إلى ثقافة الشرق الماضوية باسم الهوية الدينية مع أن الهوية الثقافية الدينية للمغاربة لها من التميز والخصوصية ما يجعلها تعيش عصرها الحضاري الانساني دون مركب نقص، ولنا في الأعراف الأمازيغية مثال على ذلك.
*ذ. الحسن زهور، كاتب ومحال سياسي