مصطفى المتوكل
إن نخب الطبقة الحاكمة مثلها مثل كل النخب الأخرى تكون مشكلة من قوتين :
نخبة واعية وناضجة ومتفهمة ، تميل الى العقلانية والواقعية وتجنح الى الديموقراطية وتقوية مؤسسات دول الحق والقانون مع الدعوة ألى انتهاج سياسة اقتصادية واجتماعية تحقق الحد الأدنى من الاطمئنان والرضى والتفاؤل الإيجابي بالمزيد من التطور والتقدم المتدرج والمتحكم فيه وغير المخل بالتوازنات وفق فهمها وقراءتها لها وتدعو الى تجنب القرارات والإجراءات المخلة بالاستقرار ، وفي نفس الوقت تضع كل الضمانات والتشريعات التي تحمي وتطور قدرات البورجوازية والراسمال الخاص …
وجزء آخر من النخبة الحاكمة يميل إلى الجمود والمحافظة ببعدها الإقتصادي والتدبيري لكل مرافق وثروات وموارد الوطن حيث تميل إلى تقوية نخبتها بتشجيع تجمع الثروة بين يدي قلة حليفة ولاتكترث كثيرا لأوضاع الطبقات الشعبية وحتى الطبقة الوسطى التي تعتبر محورا مهما للتوازن بالمجتمع إن كانت هي الأخرى مدركة لموقعها وطبيعة انتمائها وعالمة بمصالحها الحقيقية ،،
وتنظر هذه النخبة الحاكمة إلى باقي النخب الخارجة عن دائرة طبقتها الحاكمة بنظرة الإحتراز والحذر حتى لاتقوم مقامها وتنهي أو تحد من دورها اعتبارا لتعارض المصالح وتناقضها أحيانا ، حيث أن اغلب المنظومات الفكرية السياسية الداعية للتغيير والإصلاح تنظر بشكل مباشر أو مضمن ضرورة القطع مع توجهات النخبة المعطلة للتطور والعدالة الإقتصادية والإجتماعية …
ان البورجوازية والبيروقراطية والمستفيدين من ثروات الوطن بكل أشكال الملكية والتملك ومسالك وآليات تدوير الثروة يميلون الى انتهاج سياسات ارستقراطية موغلة في التقليد بصيغته التي ترى ان الولوج للحكم والتسيير العمومي يكون من طبقتهم ومجتمعهم الخاص ومن التكتوقراط ومن الهيئات التي تقبل بسياساتهم وتتفانى في تنفيذ ما يعجزون عن تنزيله ،،
…ويدخل في هذا السياق البعض من الأطر والموظفين المتشبعين بكل أشكال السلوك البيروقراطي التحكمي الذي يحول المسؤولية وخذمات الوظيفة العمومية الى ريع ومورد لدخل غير مشروع يحقق الثراء والمكانة المتوهمة حيث يعتبرون انفسهم اليد الطولى للإدارة والدولة ، بل ويتخذون قرارات تفرغ القوانين والسياسات من التزاماتها وتعهداتها …
إن من تجبر الأغلبية الحاكمة وسوء تطبيقها لإرادة الشعب كقوة وآلة انتخابية أنها مخولة بقوة القانون لإستصدار كل القرارات والإجراءات التي تشرعن لإفراغ جيوب الكادحين والشغيلة بإثقال أجورهم بارتفاع الأسعار وتكلفة العيش ،وتجميد الأجور ،، وبالاقتطاعات الضريبية المختلفة المباشرة وغير المباشرة ولفائدة صناديق أو أبواب مستحدثة بإسم الإصلاح أو الرعاية الإجتماعية والصحية ،، لأنهم لايمتلكون الجرأة على القيام بالمعالجات الجوهرية والديموقراطية التي تقوم على معادلة تقاسم الثروة واستفادة الشعب منها ،، ومعها تقاسم أعباء مصاريف الدولة والحكومة كل حسب ثروته ودخله .. أي عدالة في التوزيع وفي التضريب وفي الإسهام والبناء التنموي المستدام …
إن التغيير والتطور وبناء مجتمع تكافؤ الفرص والعالة الشاملة ودولة المؤسسات وحقوق الإنسان والكرامة الفعلية الملموسة من طرف عامة المواطنين والمواطنات ، يحتاج إلى وجود نخبة حية صالحة ومؤمنة بحقوق الشعب المقدسة والضرورية وحتى الكمالية في وطنه .. نخبة تصنع لنفسها مكانتها الريادية بمصداقيتها ووفائها وتضحياتها مع الشعب ، تتنصح وترشد وتحرص على تقوية المجتمع بتوعيته بحقوقه وواجباته ، وتؤطره للدفاع عن نفسه بل وتحميه بقوتها الإعتبارية وترافعها الحكيم والصريح ،، وتنتج المعرفة الرافعة للتنمية الفكرية وترشيد العقل والسلوك العام وتكشف عن إيجابيات وسلبيات الحاضر وتتوجه إلى المستقبل ببرامج عملية موضوعية تفتح أبواب التجديد والتحديث والتطور ،، كما تسعى لبناء مجتمع متضامن متكامل يحمي ويثمن مكتسباته ويبني وينشئ أخرى له وللأجيال المقبلة ..
إن تراجع النخب الوطنية المثقفة عن أدوارها التاريخية الواجبة أخلاقيا يحولها إلى آلة تساهم بصمتها وعدم القيام بمهامها في تفكك المجتمع وتدهور أحوال الوطن واختلال التوازنات وتهديد الدول بالسكتات والأزمات السياسية والفكرية والأخلاقية التي تتسبب في الفتن التي تمزق المجتمع إلى فئات وجماعات ومرجعيات متناحرة تأتي على الأخضر واليابس لا أحد يقبل بالآخر ..
إن علامات الأزمة والتردي واضحة في العديد من الدول المتخلفة والسائرة في طريق النمو ،، ويعلم بأسبابها الجميع ،، لكن الجرأة في اتخاذ القرارات التي تحمي الدولة بحماية قدرات الشعب الكادح وضمان حرياته ورخائه ضعيفة ومترددة إن لم نقل أنها بالغت في الإستخفاف بالمآلات والنتائج التي لايتجاهلها إلا جاهل ومعاند مكابر .. وهذا يسري على القوى الحية والأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني …