الصحافة _ هدى اليازيدي
تقوم الجهوية الموسعة في مختلف بلدان العالم على بلورة استراتيجية للتنمية الاقتصادية والإجتماعية و الديموقراطية المحلية . وفي المغرب أصبحت سياسة اللامركزية في بعدها الجهوي موضوع مجموعة من الخطب بعد دستور 1992 و 1996 و قانون الجهات 96-47 ، أبريل 1997 ، و منذ 1-11-2011 رفع المغرب تحديا جديدا في ورش الجهوية الموسعة يتطلب تعبئة قوية من طرف الجميع لتعزيز المسار الديموقراطي و صيانة الوحدة الترابية . وإذا كان دستور 2011 أفرد إثنا عشرة فصلا للجهات و الجماعات الترابية ، ( 135 إلى 146 ) . فإن القانون التنظيمي المنظم للجهات تأخر في الإخراج . مما خلق نوعا من الارتاجاية و الارتباك و التأخير في إنطلاق هذا المشروع الوطني الإستراتيجي.
لكن يحسب لهذه التجربة في الديموقراطية المحلية، أنها تجاوزت مختلف صعاب تكوين المجالس الجهوية عبر التوافقات بين الفاعلين السياسيين في مختلف الجهات. ولعل من مساوئ التدبير لهذا الورش الكبير ، إنطلاق تأسيس الجهات قبل صدور القانون التنظيمي الذي يحدد الاختصاصات والأدوار في علاقتها بالمركز. مما أحدث تخبطا أحيانا أو تلكؤا في تسيير بعض الجهات. وإذا كان مشروع الجهوية قد جاء عبر كرونولوجية تاريخية معروفة منذ الإستقلال ، لمقاربة عجز الدولة المركزية على مواجهة الاختلالات و الفوارق الاقتصادية و الاجتماعية والسكانية و حتى على مستوى التجهيزات الأساسية . فإن تعثر هذا المشروع خلق مجموعة من القلاقل على مستوى مجموعة من الجهات ، ( حراك الريف ، حراك جرادة ، حراك زاكورة ، توقف جهة كليميم …).
وإذا كان التدبير الإنتخابي في منطقة الريف ( الحسيمة ) من بين أسباب نشوب الحراك في المنطقة كما يقول البعض ، حيث عرفت مختلف المجالس الجماعية والبلدية احتكارا من طرف حزب البام. بل يستغرب كثير من الفاعلين، كيف لشخص حصل على 150 صوتا في دائرته الإنتخابية، أن يصبح رئيس جهة كبرى كجهة طنجة. ولعل من مساوئ التدبير الجهوي، برمجة مجموعة من المشاريع الملكية ، كمشروع الحسيمة منارة المتوسط ، والذي وقع مختلف الوزراء اتفاقياته كمشروع امام رئيس الدولة وفي غياب رئيس الحكومة، باعتباره الرئيس المباشر لوزرائه . وهنا تطرح مجموعة من الأسئلة : من خطط وبرمج مشروع الحسيمة منارة المتوسط؟، وهل كان هذا المشروع مدروسا من خلال مصادر التمويل و الأهداف والإستراتيجيات؟ هل كانت هناك لجنة متابعة ومراقبة تقوم بتقييم المراحل المنجزة و تحديد نقط الضعف والاختلالات من أجل التغلب عليها؟ … الى مالذلك من الأسئلة التي يمكن إدراجها في هذا المجال . والتي من خلالها يمكن تحديد المسؤوليات و محاسبة كل من أخل بعمله أو إلتزاماته .
لقد كان لسوء تدبير المشاريع الملكية، (من حيث الجدوى والتخطيط والتنزيل والمراقبة و تحديد المسؤوليات…)، الأثر البالغ على الساكنة. وقد كانت وفاة الشهيد محسن فكري بمثابة الحجرة التي حركت الماء الراكد، حيث ستنبعث من جديد أسئلة الحكامة و تطبيق القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة…وبدل أن تتم محاسبة من قام بصيد السمك و إدخاله إلى ميناء الحسيمة و بيعه في الميناء لينتهي به المطاف في ملكية الشهيد محسن فكري ، تم طحن من اشتراه من داخل الميناء الذي يضم مندوبية عن الصيد البحري التابعة لرئيس حزب الأحرار عزيز أخنوش . والتي من المفروض أنها تراقب مثل هذه الاختلالات و تضع لها حدا من داخل الميناء قبل بيعه للتجار الصغار و المتوسطين.
طبعا لم تتم استقالة وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات لانه مسؤول سياسيا عن مقتل الشهيد محسن فكري . وتمت إقالة مجموعة من الوزراء على خلفية الحراك ، أثبت المجلس الأعلى للحسابات أنهم لم يقصروا في أداء إلتزاماتهم كوزراء فيما يتعلق بمساهمات وزاراتهم في المشاريع المقررة بالحسيمة منارة المتوسط.
وخرج منها أخنوش مثل الشعرة من العجين . بل ذهب يفاوض أبناء الحسيمة على الحل و هو ما رفضه آنذاك زعماء الحراك ولا زالوا الى اليوم يقولون أنه لا يمكن لمن كان جزءا من المشكلة أن يكون جزءا من الحل .
ظلت لعنة الجهوية تلاحق أخنوش إلى جهة كليميم وادنون . الذي يترأسها حزبه منذ استحقاقات 2016 . بعد أن كانت تسير من طرف عبد الوهاب بن لفقيه الذي تحوم حوله شبهات فساد جعلت الفرقة الوطنية تستدعيه مرارا للتحقيق بالرباط هو و آخرين بلغت حد منعه من السفر خارج الوطن.
رئاسة حزب الأحرار للجهة من خلال الدكتور عبد الرحيم بو عيدة كان نتيجة أغلبية مريحة سرعان ما انقلب عليها غريمه من الاتحاد الإشتراكي حيث حول المعارضة الى أغلبية و أصبحت الأغلبية أقلية . و بدأت عراقيل المشاريع في جهة كليميم التي دامت 3 سنوات من بينها مشاريع ملكية لم ترى النور الى اليوم . وبعد هذه العراقيل والتجاذبات تم توقيف الجهة من طرف وزارة الداخلية في تجاهل تام لمصالح المواطنين و دون أي اعتبار لصورة المغرب الذي يعتبر الجهوية مخرجا حقيقيا و تجسيدا فعالا لحل القضية الوطنية من خلال الحكم الذاتي.
الأخطر من كل ما سبق هو إعلان استقالة رئيس الجهة المنتخب على وكالة المغرب العربي للأنباء . والتي فاجأت الجميع ، خصوصا بعد خروج رئيس الجهة بفيديو يكذب فيه تقديم استقالته لأي جهة كانت . كما أنه استغرب تخلي حزب أخنوش عليه في مختلف مراحل صراعه مع القروش بالجهة . و أكد عبد الرحيم بو عيدة أنه تقدم لابنة قبيلته امباركا باستقالة مكتوبة بغرض التفاوض على إيجاد حل لإخراج الجهة من عنق الزجاجة . لكنها ( اي امباركا ) فضلت إخراج هذه الاستقالة للعموم من خلال وكالة المغرب العربي للأنباء وفق قوله . حيث يقول انه لم يفوض زميلته في الحزب لتقديم استقالته لأي جهة كانت وبالتالي فهذه الاستقالة تعتبر باطلة بمقتضى القانون .
والغريب في هذا كله هو سكوت وزارة الداخلية حيث لم تخرج عن صمتها لتوضح للرأي العام ما يجري . لكنها بالأمس أعلنت من خلال والي الجهة عن فتح باب الترشيح لمنصب رئيس جهة كليميم وادنون . مما يعني أنها حسمت مستقبل عبد الرحيم بو عيدة .
ما يثير الدهشة حقيقة هو تخلي أخنوش عن رئيس جهة كليميم باعتباره مرشح عن التجمع الوطني للأحرار الذي يترأسه أخنوش . حيث لم يكلف نفسه عناء السفر للجهة كما فعل في زيارته لجهات أخرى داخل المغرب بل و خارج المغرب . و هذا يستدعي تساؤلات كثيرة . من قبيل : هل أخنوش لا يريد أطرا نزهاء في حزبه ، أطرا لا تحوم حولهم شبهات الفساد ؟ حيث تحدى عبد الرحيم من يثبت عليه شيئا من هذا . و لماذا فضل أخنوش إرسال امباركا بعيدة بعدما كانت تكاد لا تعرف ككاتبة للدولة لدى أخنوش في وزارة الصيد البحري ؟.
ثم هل ترؤس امباركة بو عيدة للجهة لا يطرح سؤال المشروعية و الديموقراطية كرافعة للجهوية ؟ . و أخيرا وليس آخرا ، ما مصداقية أخنوش كأمين عام و حزبه في تسويق نفسه للمغاربة مالكا لخاتم سليمان لحل مشاكل المغرب ؟ . وهو الذي لم يقدر على حل مشكل جهة واحدة يعاني فيها ممثل حزبه .
ولعل السؤال الجوهري هو لماذا لم يدافع أخنوش على عبد الرحيم بو عيدة كما فعل شباط عندما كان يرأس حزب الإستقلال في دفاعه عن الخطاط ينجا الذي كان يرأس جهة الداخلة وادي الذهب . حيث تفاجأ كما قال و هو يمثل المغرب في مؤتمر أممي للدفاع عن القضية الوطنية بممثل جبهة البوليساريو يأتي ساخرا من الخطاط و هو يحاول إقناع رئيس المؤتمر بأخذ كلمة باعتباره ممثلا شرعيا منتخبا لساكنة جهة الداخلة وادي الذهب و يخبره بالخبر الصاعقة : ” خبر إقالتك من رئاسة الجهة أذيع هذا الصباح بوكالة المغرب العربي للأنباء … فكانت صدمة الخطاط ينجا قوية مثله في ذلك مثل تلقي خبر استقالة عبد الرحيم بو عيدة . الذي تلقاه هو الآخر من نفس المصدر ( map ) . لكن يبقى عزاء الخطاط في محنته وقوف حزب الإستقلال الى جانبه . عكس عبد الرحيم الذي تخلى عنه الأقرباء قبل الخصوم و الأصدقاء.
و لعله من باب البله التذكير بالإلتزام الحزبي و نصرة المناضلين الحزبيين خاصة في مهامهم الترابية أو المركزية على غرار مقولة ” لن نسلمكم أخانا ” التي خلدهاحزب المصباح ، اعتقادا منهم أن صاحبهم استوفى جميع المراحل القانونية في المحاكمة ونال جزاءه في قضية الشهيد آيت الجيد بن عيسى.
ولن يكون الأحرار أقل حجما ، لو دافعوا عن الشرعية في شخص بو عيدة ، مثلما فعل الاتحاد الاشتراكي الذي وقف مع ” عليوة ” حتى خرج من السجن رغم انه كان محكوما بسنوات سجنا نافذة . و لم يجد إدريس لشكر غضاضة أمام المغاربة في الدفاع عنه . بل محاولة تسويق عليوة كمؤكر لمحاضرة بطنجة حول الحكامة . في تحدي صارخ للقضاء والقانون والمغاربة. في مقابل تنصل الحزب لعبد الرحيم نجد نفس الحزب يقف مع مناضلين آخرين من نفس الحزب استغلوا مؤسسة البرلمان والحكومة لأغراض شخصية ( صفقة سهام ، 17مليار تاع المحروقات ، تأمين المحروقات…).
إذا كان الأحرار في شخص أخنوش قد تخلى عن الشرعية في جهة كليميم وادنون ولم يجد حرجا في توقيف مصالح الجهة فإنه سبق و أن جمع خمسة أحزاب لمساومة بن كيران على تشكيل الحكومة مما تسبب في تعطيل مصالح المغاربة قاطبة قرابة 6 أشهر كان من نتائجها الوخيمة حراك الريف و جرادة و زاكورة .
إن فضيحة 17 مليار درهم و مواقف مناضلي حزب الأحرار بنا فيهم أخنوش حيال المقاطعة و وفاة محسن فكري و غيرها من الأسباب جعلت المغاربة يكرهون الحزب و ممثليه . دون أن ننسى تهجم مغاربة العالم بدورهم عليكم وعلى غيركم في مختلف المحطات بدول المهجر… اذا اخذنا بالحسبان هذا وغيره ، فأنه من الضروري القول رحم الله من عرف قدره ، لأن الوطن لا يتحمل اليوم ضياع وقت أكثر مما فات فالمشاكل الداخلية كبيرة و الوضع الإقليمي ساخن كما ان الوضع الدولي متقلب و هش ، وكل هذا يقتضي منا جميعا تحمل المسؤولية التاريخية و الوطنية للحفاظ على تماسك الوطن و تنمية مواطنيه و القطيعة مع كل ما من شانه ايقاف العجلة أو إرجاعها إلى الوراء .
وهنا أقول يجب على الدولة أن تستحضر كم الاحتقان المنتشر في صفوف الشعب المغربي بسبب إنهيار المنظومة الصحية و التعليمية وانتشار البطالة ووضع حقوق الإنسان النكوصي مما يقتضي تدخلا عاجلا لإحداث انفراجة سياسية تحمل في طياتها قطيعة مع مختلف الممارسات السياسية والاقتصادية الحالية . و إعطاء إنطلاقة حقيقية لنموذج تنموي جديد يحمل في طياته كرامة المواطن المقهور و عدالة اجتماعية ملموسة من خلال توزيع عادل للثروة . وكل هذا لن يتحقق إلا بتعديل دستوري يمكن فعلا من ربط المسؤولية بالمحاسبة بناء على توزيع حقيقي للسلط يجعلها تراقب بعضها بعضا . و بناء أحزاب سياسية حقيقية وفق منظومة قانونية جديدة ترفع من استقلالية الأحزاب و تجعلها تخوض غمار المنافسة والمفاجأة انطلاقا من نظام انتخابي مضبوط و قانون للأحزاب يضمن الديموقراطية الداخلية و تكافؤ الفرص في التناوب على صنع القرار و خدمة المغاربة.