الصحافة _ الرباط
اختار محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية توجيه جملة من النصائح والوصايا للقضاة الجدد.
وقال عبد النباوي بمناسبة تخرج الفوج 43 للقضاة ” أتمنى لكم مساراً مهنياً موفقاً، قد يقود بعضكم إلى هذا الصرح القضائي العالي الذي نتواجد به اليوم لتقلد مسؤولية القضاء بمحكمة النقض كمستشارين أو محامين عامين أو رؤساء غرف، ولمَ لا رؤساء أولين أو وكلاء عامين بها”.
وتابع “منذ 42 سنة كنت في موقفكم هذا، استعد للالتحاق بأول تعيين لي في القضاء كنائب لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بطنطان، لتقودني الظروف اليوم إلى المنصب الذي أخاطبكم بمقتضاه. وهي قصة يمكن أن يرويها لكم العديد من زملائنا القدامى الذين توفقوا في مسارهم القضائي. فالبداية واحدة .. والنهايات مختلفة”.
و أضاف ” منذ اليوم أنتم مسؤولون عن خط سيركم. ولذلك فإن هذا اليوم يعتبر علامة فارقة في حياتكم، تفصل بين مرحلة الشباب وما يرافقها من اعتماد على الأسرة، وما يتخللها من فورة وحماس يسمحان ببعض التجاوزات .. وبين مرحلة النضج، التي تتميز بالاعتماد على النفس، والقطيعة مع اللامسؤولية ونبذ التجاوزات”
وزاد عبد النباوي “اليوم، تئدون شبابكم وهو في عنفوانه، لِتَرْتَدُوا بردة الكهول. فمهنة القضاء تتطلب منكم بعض التضحيات، يقتضيها وقار القضاء وحرمته اللذين أصبحا أمانة في أعناقكم، وتتطلبها مبادئ العدل والإنصاف، وما تقتضيه من التزام بالتجرد والحياد والاستقلال. وهو ما يستلزم منكم الحرص على التحلي بها في السر وإظهارها للناس في العلن”، مضيفا أن هذه المهنة تُساءَل من طرف المجتمع خلافاً لما تُسْأل عنه باقي المهن. فتقتضي بذلك الالتزام بواجب التحفظ، وبعدم إبداء الرأي في القضايا المعروضة على القضاء، وتتطلب التقيد بواجبات أخلاقية، يتعين أن يتشبت بها القاضي والقاضية في سلوكهما”.
ولفت عبد النباوي “رغم أن الدستور والقوانين المتعلقة بالمهنة، وكذلك مدونة الأخلاقيات تنص على كل هذه القيم والمبادئ، وتحددها بوضوح، إلاَّ أنه يتعين عليكم أن تعلموا أن عيون المجتمع ترصد حركاتكم وسكناتكم، وتحصي هفواتكم وإنجازاتكم. ولذلك فإن مقياس التزامكم بالقيم الأخلاقية لمهنة القضاء، هو نظرة المحيط الذي ستعيشون فيه. مما يوجب عليكم التساؤل كيف سيُقيِّم سلوككم إزاء أمر معين. فإن استحسنه فهو خير، وإن استاء منه فهو لا يليق بالقاضي. وبالتالي فهو منافي لأخلاق القضاء وأعرافه وتقاليده، أو المبادئ التي تقُوم عليها المهنة”.
واعتبر عبد النباوي أن القضاء يوجد في صلب المعارك المصيرية في حياة الأمم. معركة الأمن والبقاء والاستقرار والتطور والنمو والسلم الاجتماعي واستمرار المقاولة وجلب رؤوس الأموال والحفاظ على مناصب الشغل وحماية الحقوق وفرض الواجبات والتخليق وحماية الديمقراطية ومساواة المواطنين”
وأضاف قائلا: “عليكم أن تراعوا الله في قضائكم وتلتزموا بتطبيق القانون على الخصوم. وأن تتمسكوا باستقلال القضاء، الذي هو ليس فقط استقلاله عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإنما كذلك استقلال عن الأهواء والمؤثرات، واستقلال عن المنافع والمغريات.
وتابع و”اعلموا أن استقلال القضاء لن يكتمل إلاَّ بتمعن القاضي جيداً في ملفاته، ودراسته المعمقة لدفوعات الأطراف واستيعابه لجوهر الدعوى، وتطبيقه الجيد للقانون على المنازعة. والتطبيق السليم للقانون لا يتم إلاَّ بالتكوين الجيد والبحث المستمر والإلمام المعمق بالاجتهاد القضائي المستقر. فهذه هي مفاتيح الثقة في القضاء، تتجلى في اكتساب سلوك حسن ومهارات معرفية جيدة وإلمام بمتغيرات القانون والاجتهاد وحسن تطبيقها على النوازل”، مشيرا أن الثقة في القضاء تتطلب حماية الأمن القضائي الذي يستدعي استقرار تأويل النصوص، وعدم التّسرع في وثيرة تغييرها متى اقتضتها ضرورات الحياة أو تطور المعاملات. كما يقتضي وضوح الأحكام وسلامة تعليلها. بالإضافة إلى البت والتنفيذ في آجل معقول.
وزاد “أنتم تنتمون لجيل ولد ونشأ في زَمن المعلوميات، والغد القريب هو وقت الرقمنة. ولذلك فإنكم مدعوون إلى التقيد بتحرير أحكامكم ومقرراتكم وملتمساتكم ومستنتجاتكم بأنفسكم، والابتعاد عن مجاراة بعض زملائكم من الأجيال السابقة التي لم يتأت لها التشبع بالثقافة الرقمية. كما أنكم مدعوون إلى تحرير أحكامكم ومقرراتكم قبل النطق بها”
وأضاف “اعلموا أن السنوات المقبلة ستكون حبلى بالتحولات الرقمية، وأن وجه المحاكم التي ستلتحقون بها خلال الأيام القادمة سوف يتغير بالمطلق نحو محاكم رقمية. ولذلك عليكم أن تكونوا سباقين إلى التمسك بهذا الأسلوب الحديث، لما يوفره من نجاعة وفعالية وسرعة في الأداء القضائي، ولو في الحدود البسيطة المتمثلة في تحرير مقرراتكم والمكتوبات المهنية التي تنجزونها. في انتظار إنجاز البرمجيات الطموحة التي أعلنت عنها وزارة العدل، والتي يجري العمل على تنفيذ بعضها حاليا”.