الصحافة _ وكالات
تزدهر سوق الإعجابات (اللايكات) أو المتابعين الزائفة على شبكات التواصل الاجتماعي، ولا تتردد منظمات أو أشخاص أو علامات تجارية في اللجوء إلى التزييف لتعزيز حضورها.
وفي هذا السياق، تقدم مقاولات متخصصة في هذا المجال إعجابات (لايكات) أو متابعين لمن يدفع ثمنا مقابل ذلك.
بالإبحار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، غالبا ما نلاحظ أن المدون أو “المؤثر” أو العلامة التجارية التي “نتابعها” تعرض الملايين من “الإعجابات” أو “المتابعين” على شبكات (فايسبوك) و(إنستغرام) و(تويتر) و(يوتيوب) وغيرها. وهناك سؤال واحد يتبادر إلى ذهننا: كيف يفعل هذا الشخص أو هذه العلامة التجارية لتحقيق الكثير من الشهرة؟ فقد تكون نتيجة عمل “صادق” لأحد المشرفين على هذه الصفحات، بالتأكيد، ولكن من الممكن أيضا أن سحر الإعجابات أو المتابعين الزائفين أن يكون هو السبب. وهكذا، فإن آفة التعليقات والمتابعين والإعجابات الزائفة أصبحت تجتاح الشبكات الاجتماعية أكثر فأكثر.
وتهدف هذه الحركية “غير الشريفة”، والتي تعتمد على أخصائيي التزوير على الإنترنيت، ولاسيما على الشبكات الاجتماعية، إلى رفع الإحصائيات، وبالتالي شعبية المستخدمين الذين يدفعون ثمن هذه الخدمة.
فالتكنولوجيات الحديثة للمعلومات تمكن اليوم من كسب الشهرة، والتوقيع على شراكات مربحة، وتلقي دعوات لحضور بعض التظاهرات، وطالما أن الغاية تبرر هذه “الحركية الزائفة”، فإن اللجوء إلى “الخديعة” يصبح أمرا شائعا.
ولكن هذا الأمر ليس بالسهل، لأنه، أولا، هناك شركات متخصصة في هذه “التجارة المربحة” تقترح شراء “الإعجابات” و”المتابعين” وبالتالي الرفع من الجمهور. وثانياً ، يمكن أن تتحول هذه الشهرة الزائفة بكل سهولة إلى نقمة.
سباق غير سليم
على مر السنوات، ازدادت أهمية الشبكات الاجتماعية ومعها التنافس على المعجبين، الذي يعزى بالميزات التي توفرها هذه المنصات. لأن التوفر على قاعدة ضخمة من المتابعين، تمكن، بالإضافة إلى تلبية الرغبة في إرضاء الغرور الشخصي، من إقامة عمل تجاري.
وفي هذا الصدد، أوضح المستشار في الاستراتيجيات الرقمية، مروان حرماش، في تصريح لمجلة (باب)، ”أن تجارة الإعجابات الزائفة تتجلى في التضخيم المصطنع للمجموعة المتابعة (سواء عدد المتابعين في الحساب أو عدد الإعجابات في الحساب)، أو الالتزام (عدد التفاعلات مع منشور معين)”، معتبرا أنه “نوع من السباقات غير السليمة التي انتشرت بين العلامات التجارية والمؤسسات والأشخاص العاملين في نفس المجال”.
وأبرز هرماش أن هذه الظاهرة بلغت ذروتها مع تطور الشبكات الاجتماعية، موضحا أنها “ممارسة تم تطويرها من خلال الموردين ومقدمي الخدمات على الإنترنيت الذين يقومون بتسويق مجموعة من النقرات أو المعجبين الذين يتم تشغيلهم تلقائيا، وعادة ما تكون إما روبوتات (تحاكي السلوك البشري) أو أشخاصا يتقاضون أجرا لقضاء أيامهم في النقر على زر الإعجاب ومتابعة الحسابات”.
ويبقى من الصعب قياس سوق الخداع هذا بأرقام دقيقة. لأنه، وبحسب ا حرماش، “لا توجد مؤشرات لقياس هذا النشاط، لأنها ليست غير مشروعة. فلا توجد نصوص قانونية واضحة تمنع أو تعتبر شراء المعجبين نوعا من التزوير، لذلك من الصعب قياس حجمها”.
وأكد المستشار في الاستراتيجيات الرقمية أن هذه الممارسة تبقى غير أخلاقية.
من جهتها، قالت أسماء العمراني ، وهي مدونة مغربية نشيطة في الشبكات الاجتماعية من خلال شراكاتها مع العلامات التجارية الكبرى على الصعيدين الوطني والدولي، في تصريح مماثل، أنها كانت شاهدة على هذه الممارسات المتمثلة في شراء الإعجابات أو المتابعين الزائفين.
وأوضحت العمراني أن “العديد من الأشخاص على إنستغرام يقومون بشراء المتابعين، وتلقائيا يجدون أنفسهم مضطرين إلى شراء الإعجابات، لتفادي أن يكون عددهم في المنشورات أقل من المتابعين الذين اشتروهم”، مشيرة على سبيل المثال إلى ” الشخص الذي يشتري 100 ألف متابع من أجل حسابه على إنستغرام، بينما عدد الإعجابات على منشوراته لا تتجاوز 100 أو 150 إعجابا ولتجاوز هذا التناقض يجب على المعني بالأمر أن يشتري عددا مماثلا من الإعجابات الزائفة لسد هذه الفجوة”.
وفي هذا الصدد، أبرزت المدونة أن التعرف على الإعجابات الزائفة ليس بالأمر الصعب، موضحة أنه “يجب فقط التحقق مما إذا كانت حسابات المشتركين تخص أشخاصا من دول بعيدة بعض الشيء من قبيل الفلبين وروسيا، بما أن المنظمات المتخصصة في بيع الإعجابات الزائفة تكون أكثر نشاطا في هذه الدول”.
وبحسب العمراني، فإن هذه التجارة على الشبكات الاجتماعية تكون مدفوعة بالرغبة في العمل مع العلامات التجارية الكبرى، وأن تصبح سفيرا لها، وأن تحصل على شراكات مربحة، وأن تتلقى دعوات لحضور التظاهرات الكبرى، مسجلة أن الحسابات التي تتوفر على عدد كبير من المتابعين هي الوحيدة التي يمكنها أن تستفيد من هذه المزايا ، وهذا هو السبب وراء هذا السباق المحتدم.
وأضافت أنه “ما لا تعرفه هذه الشخصيات، هو أن العديد من وكالات التواصل تتوفر على أدوات تمكنها من التعرف على الحسابات التي تلجأ إلى المتابعين والإعجابات الزائفة. وحتى إذا تمكن هذا الشخص من الظفر بشراكة مع علامة تجارية، سيكون فقط لمرة واحدة، لأنه عندما ستلاحظ العلامة التجارية أنه ليس هناك تفاعل من طرف متابعي الحساب، ستفهم أن هذا الحساب هو مليء بالمتابعين الزائفين وسيتم وقف التعاون”.
وأعربت المدونة عن أسفها لكون هؤلاء الأشخاص يدمرون صورتهم عوض ترويجها بالطريقة الصحيحة.
الكمية بدون خلق البوز (الضجة)
إذا كانت مساهمة الإعجابات أو المتابعين حقيقية على مستوى الكم، فلا يزال يتعين إثبات جدواها. لأنه بحسب الخبراء في المجال، فإن شراء المتابعين الزائفين ليس له قيمة مضافة، بما أنه يعمل فقط على رفع عدد المتابعين بشكل مصطنع. وفي غياب التفاعل والتواصل للمتابعين الزائفين، ليس هناك أي نوع من الضجة “البوز”، وبالتالي هناك مخاطرة في تبني هذه الممارسات، لأن المتابعين الذين يتم شرائهم يأتون غالبا من الخارج وليسوا ملائمين مع نشاط الحساب المراد تعزيزه.
وسيتبين الأمر جليا للمشجعين الحقيقيين الذين يعتزمون الاشتراك في الحساب، وينضاف إلى ذلك أن انخفاض التفاعل في الحسابات التي تشتري المتابعين الزائفين يقلص نسبة الالتزام. فعلى سبيل المثال، يتعرف (فايسبوك) على هذه الحسابات بفضل خوارزمية تقوم بفرز تدفق المنشورات وتقيس معدل تفاعل المتابعين، بهدف التصدي لشراء المتابعين والإعجابات الزائفة وترسيخ فكرة أن عدد المعجبين لم يعد ينفع في شيء، بل إن جودتهم هي الأهم.
ولمحاربة آفة الإعجابات والمشتركين والآراء والتعليقات الزائفة، تقترح الجمعية الفرنسية للتقييس شهادة مصادقة، وهي معيار تطوعي يسمح لمسيري المواقع الإلكترونية بإثبات صحة المشتركين والتعليقات والإعجابات. وتشمل هذه الشهادة على مجموعة من المعايير تقترحها الجمعية الفرنسية ويجب على أصحاب هذه المواقع الامتثال لها.
الصبر والالتزام من أجل إعجابات ومتابعين مستدامين
يجمع خبراء الويب على ضرورة إعطاء الوقت الكافي من أجل التمكن من الحصول على متابعين حقيقيين على صفحات المواقع الاجتماعية، ومن الأحسن العمل على استقطاب مشتركين مؤهلين، وتقديم محتوى جذاب، وخاصة إقامة علاقات.
لأن ما يهم، في نهاية المطاف ، ليس عدد المتابعين ولكن الالتزام الذي لديهم تجاه الحساب، أي التفاعلات مع المحتوى، والآراء، والإعجابات، والتقاسم والتعليقات. إذا كنت تبحث عن متابعين مستدامين، وسمعة جيدة، وزبناء محتملين، فإن شراء الإعجابات والمتابعين الزائفين يبقى بدون فائدة، بل يمكن أن يكون له تأثير سلبي.
إن هذا الأمر يعتبر مثل شراء سيارة جميلة بدون محرك، الجميع سيحسدك، لكن بدون محرك، لن تكون قادرا على قيادتها.