الصحافة _ كندا
خرج وزير التربية الوطنية ليصف الدخول المدرسي الجديد بكونه “هادئا وبدون تشويش”، وكأن الواقع قد استسلم فجأة لهذه العبارة المطمئنة. غير أن المتتبع لما يجري داخل المؤسسات التعليمية يدرك أن هذا الهدوء الذي تسوّقه الوزارة لا يعدو أن يكون صورة رسمية مصاغة بعناية، بينما الحقيقة أبعد ما تكون عن الطمأنينة.
فالأقسام ما زالت تغصّ بالاكتظاظ، حيث يتكدس التلاميذ بالعشرات في فضاءات ضيقة لا تسمح بجودة التعلم ولا بظروف تدريس لائقة. الأساتذة بدورهم يعيشون على وقع ملفات عالقة، بعضها مالي وإداري ظل يراوح مكانه رغم كثرة الاتفاقات والتعهدات الحكومية. هنا يظهر التناقض الصارخ بين خطاب رسمي يحاول تسويق الاستقرار، وواقع يومي ينذر بانفجار اجتماعي داخل القطاع.
الدكاترة الذين وُعدوا منذ سنوات بإطار قانوني يحفظ مكانتهم العلمية ما زالوا يواجهون “الحلول الترقيعية”، والملفات المتعلقة بالترقية والحركات الانتقالية معلقة، ما يراكم شعورا بالغبن ويغذي موجات الغضب التي تترجمها الإضرابات والاحتجاجات. هذا التناقض يعكس، في العمق، أزمة ثقة بين الفاعلين في القطاع وبين الوزارة الوصية، أزمة لم تنجح لغة البلاغات الرسمية في تبديدها.
إن الحديث عن دخول مدرسي “هادئ” يبدو أشبه بترديد لازمة مكرورة تُطلق عند كل موسم دراسي، فيما يتفاقم الواقع بانتظار إصلاحات جذرية غائبة. الهدوء الحقيقي لا يتحقق بالشعارات، بل بتسوية الملفات المالية والإدارية للأساتذة، وضمان استقرارهم الاجتماعي والنفسي، ومعالجة ملف الدكاترة بحلول نهائية لا بترقيعات ظرفية.
كما أن التعليم الجيد لا يمكن أن يقوم على أقسام مكتظة وبنية تحتية متقادمة، بل يحتاج إلى استثمار فعلي يضع المدرسة المغربية في قلب السياسات العمومية، بعيدا عن الحسابات الضيقة أو محاولات تجميل الصورة. الإصلاح الجذري يقتضي رؤية شمولية تضع حدا للانفصام بين الخطاب الرسمي وما يعيشه التلميذ والأستاذ يوميا.
فإذا كان الدخول المدرسي الحالي “هادئا”، فهو هدوء يشبه الصمت الذي يسبق العاصفة، لا يعكس إلا سكونا مؤقتا فوق بركان من الاحتقان. والرهان الحقيقي اليوم ليس في التحكم في الصور الرسمية أمام الكاميرات، بل في مواجهة الحقائق المؤلمة بشجاعة سياسية وإرادة إصلاحية لا تقبل المواربة.