الصحافة _ كندا
لا شيء يثير الاستغراب في المشهد السياسي المغربي أكثر من مسؤول حكومي يتقمص دور المعارض، يخوض معركة خطابية ضد السياسات العمومية التي هو نفسه أحد مهندسيها، ويتحدث وكأنه خارج دائرة القرار، بينما يجلس في قلبها. نزار البركة، الأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء في حكومة أخنوش، يجسد هذا التناقض الصارخ بأبشع تجلياته، محاولًا التنصل من الواقع الذي ساهم حزبه وحكومته في صناعته.
بركة، الذي يفترض أنه جزء من السلطة التنفيذية، قرر فجأة أن يصبح معارضًا من داخل الحكومة، متقمصًا دور المدافع عن القدرة الشرائية للمواطنين، في محاولة يائسة لتلميع صورته وإعادة تموقع حزبه سياسيًا. خرج ليهاجم هوامش الربح الواسعة للشركات، في تلميح واضح لشركات رئيس الحكومة وأقطابها الاقتصادية، متناسياً أنه كان وزيراً للمالية، ورئيساً للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومهندسًا للعديد من القرارات التي كرّست هذه المنظومة الاقتصادية التي يتباكى عليها اليوم.
إذا كان نزار البركة يرى أن الشركات تحقق أرباحًا غير مشروعة على حساب المواطنين، فلماذا لا يقدم مشروع قانون داخل الحكومة للحد من هذه الأرباح؟ لماذا لا يطالب بتعديل ضريبي صارم يفرض على هذه الشركات إعادة التوازن للسوق؟ لماذا يكتفي بالتصريحات والمزايدات الإعلامية، بينما يملك في يده مفاتيح السلطة التنفيذية والتشريعية؟
ما يفعله البركة اليوم ليس دفاعًا عن المواطنين، ولا موقفًا مبدئيًا من الاقتصاد الريعي، بل هو لعبة سياسية مكشوفة، تهدف إلى خلق مسافة بين حزب الاستقلال وحكومة أخنوش، تحضيرًا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة. فهو يدرك أن فشل هذه الحكومة قد يكلف حزبه غاليًا، لذا يفضل اللعب على الحبلين، شريك في السلطة حين تكون الفوائد متاحة، ومعارض حين تتراكم الأزمات.
لكن هذا الخطاب المزدوج، مهما بدت مناوراته ذكية، يبقى دليل ضعف سياسي أكثر منه استراتيجيا ناجحة. فمن غير المقبول أن يقف وزير في حكومة قائمة، ليهاجم أداءها علنًا دون أن يتخذ أي إجراء ملموس داخلها. إن كان البركة صادقًا فيما يقول، فليخرج من الحكومة ويعلن انسحابه منها احتجاجًا على تغول المصالح الاقتصادية داخلها، وليقدم نفسه كبديل سياسي حقيقي.
أما أن يواصل التنعم بامتيازات السلطة، بينما يذرف دموع التماسيح على معاناة المواطنين، فهذا ليس سوى انتهازية سياسية فجّة، لا تختلف عن باقي أساليب الشعبوية التي لا تؤدي إلا إلى تعميق أزمة الثقة في العمل السياسي.
نزار البركة، الذي يمثل البورجوازية المحافظة، يعرف جيدًا أن انتقاداته ليست موجهة للشعب بقدر ما هي رسالة مشفرة إلى أصحاب القرار الحقيقيين. فهو لا يريد تغيير المنظومة، بل فقط إعادة توزيع الأدوار داخلها، لتضمن لفريقه السياسي موقعًا متقدمًا في مرحلة ما بعد أخنوش. لكن المغاربة لم يعودوا يثقون في هذا النوع من الخطابات الرمادية، فهم يعلمون جيدًا أن الوزير الذي يعارض من داخل الحكومة، ليس إلا سياسيًا يفتقر إلى الشجاعة الكاملة للخروج من جلباب السلطة، ولا يمتلك الجرأة الكافية ليكون معارضًا حقيقيًا.