الصحافة _ وكالات
يرجّح المراقبون أن تكون بداية هذا الأسبوع حاسمة في إنهاء الجدل الدائر داخل مجلس المستشارين بالبرلمان المغربي حول المادة التاسعة من مشروع قانون المالية للعام 2020 التي تمنع الحجز على أموال وممتلكات الدولة والمجالس المحلية المنتخبة بحكم قضائي.
ورغم تمرير تلك المادة بسهولة في الغرفة الأولى للبرلمان (مجلس النواب)، فإن الأمر كان مستعصياً جداً في الغرفة الثانية (مجلس المستشارين)، واللافت للانتباه أنها قوبلت بمعارضة قوية من لدن المستشارين المنتمين للحزب الذي يقود الحكومة المغربية.
محمد بن شعبون
غير أن الاحتجاج على تلك المادة تعدّى فريق «العدالة والتنمية»، ليشمل «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» و»المنظمة الديمقراطية للشغل»، بالإضافة إلى فئات عريضة من النشطاء الحقوقيين والمحامين الذين نفذوا احتجاجات في المحاكم وأمام البرلمان، معتبرين أن تلك المادة غير دستورية، ومن شأن إقرارها أن يعطّل مصالح المواطنين والشركات الصغرى والمتوسطة التي ترفع دعاوى قضائية ضد مؤسسات الدولة والمجالس المحلية المنتخبة؛ بالإضافة إلى كون مضمون الاقتراح الحكومي يعدّ مساساً باستقلالية القضاء.
أما وزير الاقتصاد والمالية المغربي، محمد بن شعبون، فيرفض إدخال أي تعديل على المادة المشار إليها، بحجة أن الحجز على أموال الدولة تنفيذاً لأحكام قضائية يهدد التوازنات المالية، ومن ثم يشدد على ضرورة تحصين أموال الدولة والمجالس المنتخبة المحلية من الحجز. ويعطي أحد الفصول من الدستور المغربي الصلاحية للوزير المذكور برفض أي مقترح تعديلي على مشروع الميزانية، وفي حالة إذا خضع النص لتعديلات بالتصويت خلال جلسات «مجلس المستشارين»، فإنه يرجع إلى الغرفة الأولى (مجلس النواب) في إطار قراءة ثانية.
وكانت فرق الأغلبية في الغرفة الثانية قد توافقت، السبت المنصرم، على تقديم اقتراح لتعديل هذه المادة لتجاوز الإشكال القانوني والدستوري الذي تطرحه. ويقضي هذا التعديل بحصر منع الحجز داخل أجل أربع سنوات. كما تم الاتفاق على ضرورة ألا تتم معالجة هذا الإشكال ضمن قانون المالية، بل عبر مراجعة قانون المسطرة المدنية. غير أن الاقتراح جوبه بالرفض من طرف وزير الاقتصاد والمالية.
ونقل موقع «تيل كيل عربي» عن مصدر وصفه بالمطلع قوله إن فرق الأغلبية في مجلس المستشارين كانوا قد اتفقوا فيما بينهم على حذف الفقرة المتعلقة بـ»منع الحجز على أموال الدولة» من المادة التاسعة مع الإبقاء على باقي مقتضياتها، إلا أن رفض الوزير المعني جعلهم يتراجعون باستثناء نبيل الشيخي، رئيس فريق «العدالة والتنمية»، الذي عبر عن تحفظه، معتبراً أن المادة التاسعة غير دستورية.
وفي السياق نفسه، طالبت مجموعة النقابة العمّالية في مجلس المستشارين «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» بحذف المادة التاسعة من مشروع قانون المالية، معتبرة أنها غير دستورية.
وقال عبد الحق حيسان، المستشار البرلماني عن المجموعة نفسها، إنه من غير المنطقي أن نصوت على مادة بالإيجاب، سبق أن رفضناها سنة 2017. وأوضح أن «الكونفدرالية» انسحبت من الاجتماع الذي عقدته اللجنة التقنية التي شكلتها لجنة المالية في مجلس المستشارين من أجل مناقشة المادة موضوع الجدل، بعدما عبّرت عن موقف واضح بشأنها.
وكانت فرق الأغلبية والمعارضة في مجلس النواب قد صوتت بالإجماع على المادة التاسعة، بعد إدخال تعديلات جزئية عليها. ونصت المادة المعدلة على أنه «يتعين على الدائنين الحاملين لأحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية (المجالس المحلية المنتخبة) ومجموعاتها ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارات العمومية أو الجماعات الترابية المعنية».
وحسب الصيغة المعدلة، فإن المُحاسب العمومي يمكنه تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الدولة أو الجماعات الترابية ومجموعاتها تلقائياً في حالة تقاعس الآمر بالصرف عن الأداء داخل أجل أقصاه 90 يوماً ابتداء من تاريخ الإعذار بالتنفيذ في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة من الميزانية لهذا الغرض. كما نصت المادة المعدلة على أنه «إذا تبين أن الاعتمادات المتوفرة غير كافية لتنفيذ الأحكام القضائية، فإن الآمر بالصرف يقوم وجوباً بتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانية السنوات اللاحقة، وذلك في أجل أقصاه 4 سنوات دون أن تخضع أموال الدولة والجماعات الترابية للحجز».
واعتبرت «المنظمة الديمقراطية للشغل» في بيان صادر عنها، المادة التاسعة من مشروع قانون المالية «غير دستورية وانتهاكاً لحقوق المواطنين في مواجهة الدولة، وعليه وجب حذفها من مشروع القانون المالي»، موردة أنّ الإبقاء عليها والقبول بها «يشكل مساساً حقيقياً بدستور المملكة المغربية».
وفي وقت ما زالت الحكومة متمسكة بالمادة المذكورة، رغم وجود معارضة لها من طرف وزير الدولة المصطفى الرميد، ترى «المنظمة الديمقراطية للشغل» أن دفوعات الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية «ضعيفة جداً، ولا تستند إلى أسس قانونية وموضوعية عادلة».
واعتبرت «المنظمة» أنّ هدف الحكومة من الإبقاء على المادة المثيرة للجدل ضمن مشروع قانون المالية هو «حماية الجماعات المحلية (المجالس المحلية المنتخبة) التي عليها ديون لفائدة الشركات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جداً».وانتقدت الهيئة النقابية التوجه الحكومي، معتبرة أنّ العجز المالي الذي تعاني منه الجماعات الترابية راجع إلى كون «أغلبها غارقة في الفساد وهدر الإمكانيات والمال العام وسوء التدبير، والتغاضي عن استخلاص رسوم وجبايات من الملزمين المقربين سياسياً أو عائلياً لفائدة جماعاتهم».
وأضافت أنّ الجماعات الترابية كان بإمكانها تقوية قدراتها المالية وتحسين مداخيلها عبر الضرائب والرسوم المحلية، وأن ثمة جماعات محلية «تتوفر على فائض مالي كبير في الميزانية لم تستطع برمجته في مشاريع البنية التحتية للجماعة؛ بسبب غياب الكفاءات في خلق وتدبير المشاريع» . واستغربت «المنظمة الديمقراطية للشغل» المنهجية التي تعتمدها الحكومة في معالجة مسألة الحجز على ممتلكات وأموال الدولة، إذ «لا تتردد في الحجز على أموال المواطنين والمقاولين، المدينين للدولة، سواء بديون أو ضرائب، وإصدار أحكام بالسجن في حقهم، رغم أن المقاولات المعنية لها ديون على الدولة لم يتم تحصيلها، والقضاء لا يعفيهم من المتابعة».
تاريخ المغرب
واعتبرت أن المادة التاسعة من مشروع قانون المالية «تعد سابقة في تاريخ المغرب ومخالفة للمقتضيات الدستورية ولكل القوانين والأعراف الديمقراطية، وانتهاكاً صارخاً لحقوق المواطنين في مواجهة الدولة»، مشيرة إلى أنّ القبول بها «سيفتح الأبواب على مصراعيها لانتهاك حقوق دستورية أخرى تتعلق بالعدالة والحريات الأساسية».
وبالتزامن مع استمرار النقاش حول المادة التاسعة من مشروع قانون المالية التي تمنع تنفيذ أحكام قضائية ضد الدولة والمجالس المحلية المنتخبة، خرج محامو حزب العدالة والتنمية للتعبير عن موقفهم من المادة المثيرة للجدل، وهو موقف مغاير لما ذهب إليه الفريق البرلماني للحزب في «مجلس النواب».
وأكدت جمعية «محامون من أجل العدالة»، في بلاغ لها، على ضرورة تعديل المادة التاسعة، والإصغاء إلى كل المطالب المشروعة بهدف الحفاظ على الحقوق والمكتسبات الدستورية والقانونية في مجال تنفيذ الأحكام القضائية ضد الدولة، والجماعات الترابية في إطار عادل ومنصف ضماناً للأمن القانوني والقضائي، مع مراعاة التوازن بين حقوق المواطن واستمرارية المرفق العام. كما أعلنت الجمعية أنها ستتقدم بمذكرة حقوقية وقانونية في إطار الديمقراطية التشاركية والمساهمة الإيجابية.
يذكر أن موقف محامي «العدالة والتنمية» أعقبه احتجاج من القيادي في الجمعية والبرلماني عن حزب «العدالة والتنمية»، نجيب البقالي، حيث انسحب من التصويت عن المادة في البرلمان.