بقلم: محمد بوبكري
لا تزال قضية “إبراهيم غالي” تثير ردود أفعال كثيرة في إسبانيا والمغرب وأوروبا…، وتكشف ضعف نظام الجنرالات وانهيار أجهزته الأمنية. والأسئلة المحيرة في هذه القضية هي: لماذا تم إرسال هذا الشخص إلى إسبانيا بهدف العلاج، علما أنه مطلوب قضائيا هناك؟ ألا يعلم حكام الجزائر أن القضاء الإسباني سيحقق معه وسيحاسبه؟ ألا يدرك الجنرالات أن مبدأ فصل السلطات سائد في إسبانيا؟ ألا يعي هؤلاء الحكام أنه يوجد في إسبانيا برلمان وأحزاب ومجتمع مدني…؟ ألا يستحيل على حكام الجزائر التواطؤ مع الحكومة الإسبانية في قضية هذا الشخص؟ ألم يكن في إمكان هؤلاء الحكام أن يرسلوا هذا الشخص للعلاج في ألمانيا، أو جنوب أفريقيا، أو روسيا…؟ ألم يخصصوا لإبراهيم غالي طائرة طبية خاصة نقلته إلى إسبانيا؟ ولماذا تم تفضيل هذا الشخص على أيقونة حركة التحرير الجزائرية المجاهدة “جميلة بوحيرد”، التي لم يعرها الجنرالات أي اهتمام، وتركوها تواجه فيروس “كورونا” في مستشفى جزائري؟ هل “غالي” و”تبون” و”شنقريحة” أكثر أهمية منها؟ إن هؤلاء الحكام يرسلون الجنرالات وأزلامهم للعلاج في المصحات الأوروبية على حساب الخزينة الجزائرية، ويتركون الشعب يموت في المستشفيات الجزائرية التي لا توجد فيها تجهيزات تقنية، ولا أطر، ولا أدوية، ولا حتى مواد التخدير… فالشعب يذهب إلى المستشفيات التي يصفها الصحفي الجزائري “هشام عبود” بأنها قد تحولت إلى قاعات انتظار للمقابر. لهذا يصف بعض الخبراء الجزائريين سلوك حكام الجزائر هذا بكونه جريمة أخلاقية بكل المقاييس…
قد ينجح حكام الجزائر في إقناع المسؤولين الإسبان بالتكتم على وجود “إبراهيم غالي” في إسبانيا قصد العلاج، لكنهم لن يستطيعوا فعل أي شيء لإقناع ضحاياه، الذين هم مواطنون إسبان يحملون الجنسية الإسبانية، حيث تؤكد وثائق أغلبيتهم أنهم ينتمون إلى “جزر الكناري”. وقد وصفت الصحافة الإسبانية التهم الموجهة إليه بكونها ثقيلة، حيث تتضمن الإبادة، والقتل، والجرح، والإرهاب، والاعتقال التعسفي، والاختطاف، والتعذيب، والاغتصاب، وافتضاض الأبكار…
لقد كان حكام الجزائر على علم مسبق بهذه التهم، ما يؤكد أنهم كانوا يرغبون في التخلص منه عبر إرساله إلى إسبانيا، بذريعة العلاج هناك، فأقنعوه بأن المسؤولين الإسبان يعتبرون وضعيته حالة إنسانية…
وما دامت المخابرات الجزائرية هي التي قامت بتسليمه جواز سفر مزور يحمل اسم “محمد بطوش”، فمن المؤكد أن تسريب هذا الخبر إلى صحيفة “جون أفريك” قد تم من جهة معينة من داخل هذه المخابرات. ويعود ذلك إلى أن هذه الأخيرة تعيش في حالة انهيار، نتيجة الصراعات التي تعيشها مؤخرا، بسبب تعيين “محفوظ بوليساريو” مديرا لها، حيث انتفض جناح داخل هذا الجهاز الاستخباراتي ضد هذا التعيين. وجدير بالذكر أن “محفوظ بوليساريو” قد اشتغل لمدة طويلة مع مليشيات “البوليساريو” التي تجمعه صداقات متينة مع زعاماتها، وعلى رأسهم ” إبراهيم غالي”، ما يؤكد أن الجناح المناهض لـ ” محفوظ بوليساريو” قد قام بتسريب خبر سفر زعيم مليشيات “البوليساريو” بجوز سفر مزور بهدف تصفية حساب مع هذا المدير الجديد للمخابرات الخارجية الجزائرية، خصوصا أن “الجنرال القايد صالح” قد سبق أن أبعده في سنة 2015، بسبب تبعيته للجنرال “توفيق محمد مدين”. لكنه بعد خروج توفيق من السجن رجع إلى السلطة بقوة، وعُيّن مديرا لهذه المخابرات. تبعا لذلك، فإن هذا الصراع يؤكد انهيار المخابرات الجزائرية، ما يفيد فشل جنرالات الجزائر في كل مساعيهم.
هكذا، فالصراع داخل جهاز المخابرات الجزائرية قد وضع حكام الجزائر في وضعية صعبة، حيث قاموا بتوريط إسبانيا في مشكلة كبيرة تكاد تعصف بعلاقاتها مع المغرب… فهل يعتقدون أن المسؤولين الإسبان يحتقرون الشعب الإسباني كما يفعل هم مع الشعب الجزائري؟
يبدو لي أن الحكومة الإسبانية قد ارتكبت خطأ كبيرا، بسكوتها على وجود “إبراهيم غالي” على التراب الإسباني، الأمر الذي يفرض عليها الاعتذار والاستجابة لمطالب المغرب. كما ينبغي أن يعي المسؤولون الإسبان أن التعامل مع جنرالات الجزائر هو مجرد تعامل مع مجموعة من البلطجية، والتعامل مع البلطجية يجعل صاحبه وسخا، لأنه يصبح شريكا في جريمتهم.
لقد تعود حكام الجزائر على التزوير في كل شيء، حيث يزورون الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية والولائية، كما أنهم يزورن انتخابات أجهزة النوادي الرياضية… ومن التناقضات الصارخة لحكام الجزائر هو أنهم يدعون مساندة “تقرير مصير مليشيات البوليساريو”، دون الاعتراف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، بالاستقلال عن نظامهم العسكري، ما يفيد أنهم سيحتلون الصحراء المغربية إذا تمكنوا من تحقيق وهم “تقرير مصير هذه المليشيات”. لذلك على هذه الأخيرة أن تعي قبل فوات الأوان أن جنرالات الجزائر سيدكونها مستقبلا من أجل تلبية أوهامهم التوسعية. فعليهم أن يتعظوا مما مارسه هؤلاء الجنرالات من عنف ضد الشعب الجزائري ورموزه، وقتلهم لبعضهم البعض، كما اغتالوا “الولي مصطفي السيد” والكثير من قيادات “البوليساريو”، وهم اليوم يسعون إلى التخلص من “إبراهيم غالي”… لذلك، وجب الحذر من هؤلاء الجنرالات وعدم الثقة بهم، والابتعاد عنهم والعودة إلى الوطن الرحيم…
خلاصة القول، لقد تأكد أن حكام الجزائر ضالعون في التزوير، حيث إن من زور جواز سفر “إبراهيم غالي” قادر على منح جوازات سفر للإرهابين وتمويلهم للسفر إلى البلدان الغربية بهدف القيام بتفجيرات هناك، خصوصا أن هناك علاقات وطيدة بين هؤلاء وحكام إيران وتركيا، الذين يمولون مختلف الجماعات الإرهابية. وهذه حجة واضحة تماما على ضلوع حكام الجزائر في احتضان الإرهاب ودعمه…