من رمال الساحل إلى أبواب الأطلسي..الرباط و تمارين السيادة الهادئة

29 أبريل 2025
من رمال الساحل إلى أبواب الأطلسي..الرباط و تمارين السيادة الهادئة

الصحافة _ بقلم: ميمونة الحاج داهي

في لحظة يعاد فيها رسم خرائط النفوذ في الساحل الإفريقي، لا يبدو المغرب معنيا بالصخب الإقليمي بقدر ما يُعنى بإتقان الدور الصامت، ذلك الذي لا يعلن نفسه، بل يُفهم عبر نتائجه. خلف المبادرة الملكية الأخيرة، التي فتحت لدول الساحل منفذا نحو الأطلسي، تختبئ فلسفة عميقة: تفكيك أنماط الهيمنة القديمة، وبناء شراكات سيادية جديدة لا تدور في فلك الشرق أو الغرب، بل تتأسس على مبدأ الربح المشترك، والانتماء القاري.

الرباط لا تتحدث كثيرا، لكنها تبني بهدوء. والموانئ التي تُقترح على دول الساحل ليست مجرد أحواض بحرية، بل نوافذ استراتيجية تُفتح في جدار العزلة الجغرافية. هي امتداد طبيعي لمشروع أنبوب الغاز العابر للقارة، الرابط بين نيجيريا والمغرب، والذي يشق الطريق بصبر عبر بلدان عديدة، ويعيد وصل ما انقطع بين إفريقيا الغربية والأطلسي، ويمنح للمغرب دورا محوريا لا يختزل في نقل الطاقة، بل في نقل الرؤية.

فكما أن الأنبوب يُعيد تشكيل معادلات القوة الاقتصادية، فإن المبادرة الملكية تُعيد تشكيل خرائط السيادة. وكما أن المشروع الطاقي يُحاصر النفوذ الجزائري شرقيا، ويُضعف الورقة الفرنسية في الشمال، فإن الممر الأطلسي المُقترح يُفكك الاحتكار الجغرافي الذي ظل لعقود يُطوق دول الساحل، ويجعلها رهينة منافذ محدودة، وإملاءات معلبة.

الرباط لا تُنازع باريس على ما بقي من تأثير، ولا تساجل الجزائر في خطابها المؤدلج، بل تُقدم نموذجا ثالثا لا يحتاج إلى رفع الصوت، لأنه يشتغل على تربة الواقع، ويغرس جذوره في حاجات الشعوب لا في ذكريات الأنظمة. تشتغل المغرب على فكرة “الربط” لا على وهم “الريادة”، على الفعل المتعدد بدل الصراع الثنائي، وعلى امتلاك الزمن الطويل بدل المكاسب العاجلة.

هكذا تتضح ملامح استراتيجية لا تُصرح بكل أدواتها، لكنها تُقرأ في تناغم خطواتها. أنبوب الغاز ليس مشروعا طاقيا فحسب، بل هو الشريان الذي يُغذي مشروعا أوسع: تحويل المغرب من بلد طرفي إلى نقطة وصل، ومن لاعب جغرافي إلى معمار سياسي واقتصادي عابر للحدود.

وفي هذا المسار، لا تتقدّم الرباط وحدها، بل تُقنع شركاءها بأن المكسب الجماعي أفضل من الانتصار الظرفي، وأن البحر حين يُفتح لا يُغرق، بل يُحرّر.

 

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق