من الإحصاء إلى الإنصاف المجالي.. تحوّل ملكي في بوصلة التنمية

30 يوليو 2025
من الإحصاء إلى الإنصاف المجالي.. تحوّل ملكي في بوصلة التنمية

الصحافة _ كندا

الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس على العرش، لم يكن مجرد إعلان نوايا سياسية أو دعوة جديدة إلى الإصلاح؛ بل مثّل، بكل وضوح، نقطة انعطاف في مسار السياسات العمومية، وتحولًا عميقًا في فلسفة التنمية بالمغرب.

لقد دعا جلالة الملك إلى الانتقال من مقاربة اجتماعية تقليدية، تقوم على “التحليل النظري” و”التأثير المفترض”، نحو مقاربة مجالية مندمجة، قوامها المعطى الديموغرافي، والتحليل الترابي، والعدالة المجالية. إنها لحظة فارقة يتم فيها ترسيخ منطق التنمية الملموسة، القابلة للقياس، والمرتبطة بواقع المواطنين لا بمخططات مركّبة فوقية.

الرهان الملكي اليوم لم يعد فقط على “كم” النمو، بل على “أين” و”كيف” و”لمن”. ولهذا شدد الخطاب الملكي على أن التنمية لا يمكن أن تكون عادلة أو مستدامة ما لم تُقِم توازنًا حقيقيًا بين الجهات، وما لم تُحدث أثرًا ملموسًا في حياة الناس اليومية، في الحواضر كما في القرى، في الشمال كما في الجنوب.

وفي انسجام مع هذا المنظور الجديد، جاءت التوجيهات الملكية للحكومة بإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية، ليس كامتداد لما سبق، بل كقطع مع منطق الاجترار الإداري. المطلوب اليوم هو تثمين الخصوصيات المحلية، وتوحيد جهود الفاعلين، وربط السياسات العمومية بالبيانات الحقيقية للإحصاء العام للسكان 2024، الذي تحوّل من مجرد عملية إحصائية إلى وثيقة مرجعية لإعادة هندسة الخريطة التنموية بالمغرب.

التحول الملكي في فلسفة التنمية، كما بدا في الخطاب، لا يكتفي بتشخيص الفوارق، بل يؤسس لسياسة تضامنية ترابية جديدة، تقوم على الذكاء المجالي، والرقمنة، ومقاربة التخطيط متعدد القطاعات. فالخدمات الأساسية لم تعد امتيازا، بل حقًّا، والعدالة المجالية لم تعد ترفًا، بل واجبًا وطنيا.

ومن هنا تبرز أهمية هذا التحول الذي دعا إليه جلالة الملك، لا باعتباره فقط إصلاحا إداريا أو مجهودا قطاعيا، بل باعتباره رؤية استراتيجية تضع المواطن في قلب السياسات، وتمنح الجهات والمناطق دورا محوريا في تحديد أولوياتها وتنفيذ مشاريعها.

إننا أمام رؤية ملكية تؤمن أن التنمية لا تقاس بحجم الطرق والموانئ فقط، بل بكرامة المواطن، بمدى وصوله إلى المدرسة والمستشفى، بقدرته على العمل والإبداع والمساهمة. ومن هذا المنطلق، يُصبح الإحصاء وسيلة للعدالة، وتُصبح الجهوية المتقدمة أفقا للحكامة الجديدة، ويُصبح “مغرب واحد يسير بسرعة واحدة” التزاما وطنيا لا رجعة فيه.

إنها دعوة للتفكير من جديد في مغرب اليوم ومغرب الغد، على ضوء معطيات الواقع لا أوهام التصورات، وعلى قاعدة واضحة: لا تنمية بدون إنصاف، ولا إنصاف بدون بعد ترابي، ولا بعد ترابي بدون إرادة سياسية متجددة… وهذه الإرادة تجسدت، من جديد، في خطاب العرش.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق