الصحافة _ كندا
في تطور جديد لما أصبح يُعرف إعلاميًا بـ”قضية مستشفى الموت” في أكادير، أعلن الطبيب أحمد الفارسي، أحد الأطباء العاملين بمستشفى الحسن الثاني، عن تفاعل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية مع ملف توقيف عدد من الأطباء الذين وُصفوا بـ”أكباش الفداء” على خلفية سلسلة وفيات مأساوية في صفوف النساء الحوامل داخل المستشفى ذاته.
وأوضح الفارسي، في تدوينة نشرها اليوم الخميس 9 أكتوبر 2025 على حسابه بموقع إنستغرام، أن الوزارة أبدت “تجاوبًا إيجابيًا” مع مطالب الأطباء، مشيرًا إلى زيارة مسؤول رفيع من مديرية الموارد البشرية قادم من الرباط لعقد اجتماع طارئ مع ممثلي الأطباء المقيمين بالمديرية الجهوية للصحة في أكادير.
القضية تفجّرت بعدما نشر الفارسي تدوينة نارية قبل أيام، وجّه فيها إنذارًا علنيًا إلى وزير الصحة أمين التهراوي، مطالبًا بإعادة الاعتبار للأطباء الموقوفين ومهددًا بنشر “معطيات خطيرة” تكشف ما وصفه بـ”المسرحية السياسية والإدارية” التي تُدار في الكواليس.
وجاء في تدوينته السابقة: “أمامكم 72 ساعة لإعادة الاعتبار للأطباء والمشرفين على قاعة العمليات الذين تم توقيفهم كأكباش فداء، وإلا فإن جميع المغاربة سيعرفون الحقيقة الكاملة لما يجري”.
هذا التهديد العلني من داخل الجسم الطبي كان كافيًا لإحداث زلزال داخل الوزارة، خصوصًا بعد أن تقاطعت تصريحاته مع مواقف النقابات الصحية التي اعتبرت قرارات التوقيف “هروبًا للأمام وتغطية على الفشل الهيكلي للمنظومة الصحية”.
فقد أصدر التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، المكوّن من ست مركزيات، بلاغًا ناريًا وصف فيه ما وقع بمستشفى الحسن الثاني بأنه “ليس حادثًا عرضيًا بل نتيجة اختلالات مزمنة راكمتها الحكومات المتعاقبة”، مشيرًا إلى أن “تحميل الأطباء وحدهم المسؤولية هو تبسيط مخلّ ومحاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن السياسات الفاشلة”.
وأضاف البيان أن القطاع يعيش حالة انهيار صامت بسبب الخصاص المهول في الموارد البشرية وتهالك البنيات التحتية ونقص التجهيزات وضعف التمويل وغياب الحكامة والمسؤولية.
وأكد أن تكرار حوادث وفيات الحوامل يعكس انهيار سلسلة الخدمات الصحية الأساسية في وقت تتحدث فيه الوزارة عن “ورش الدولة الاجتماعية” دون أثر فعلي على أرض الواقع.
القضية تحوّلت بسرعة إلى رمز لانهيار القطاع الصحي العمومي في المغرب، خصوصًا بعدما تزامنت مع احتجاجات “جيل Z” التي خرجت في عدد من المدن مطالبة بإصلاح جذري في الصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية، وإقالة الحكومة الحالية التي يرأسها عزيز أخنوش.
وهكذا، أصبح مستشفى الحسن الثاني مرآة تعكس أزمة الثقة بين المواطن والدولة، حيث تحولت صور النساء الحوامل اللائي فقدن حياتهن في قاعات الولادة إلى رمز للغضب الشعبي، وطرحت أسئلة محرجة حول مصير “ورش إصلاح المنظومة الصحية” الذي ظل شعارًا يتكرر دون نتائج ملموسة.
من جهتها، حاولت وزارة الصحة احتواء العاصفة بإصدار بلاغ رسمي يوم الإثنين 6 أكتوبر، أكدت فيه فتح تحقيق دقيق في ملابسات الوفيات وتوقيف المعنيين بالأمر احترازياً إلى حين استكمال المساطر القضائية والإدارية، مشيرة إلى أن التقرير النهائي أُحيل إلى النيابة العامة المختصة.
غير أن بلاغ الوزارة لم يُطفئ الغضب، بل زاد من الشكوك حول نية تحميل الأطر الطبية وحدها وزر سنوات من الإهمال الإداري وسوء التسيير.
ويرى مراقبون أن طريقة تدبير وزارة الصحة لهذا الملف تكشف أزمة ثقة عميقة داخل المنظومة الصحية، فبدل مواجهة الأسباب البنيوية التي تسببت في تراكم الأخطاء الطبية والوفيات، اختارت الوزارة البحث عن ضحايا داخل الصفوف المهنية نفسها لتهدئة الرأي العام.
ويؤكد هؤلاء أن الوزير أمين التهراوي وجد نفسه في موقف صعب بين ضغط الرأي العام وإكراهات البنية المهترئة للمستشفيات، مما جعل قراراته تبدو ارتجالية أكثر منها إصلاحية.
في المقابل، تتنامى الدعوات داخل الوسط الطبي لإطلاق حوار وطني شامل حول وضعية القطاع الصحي، ومراجعة شروط العمل في المستشفيات العمومية، وضمان العدالة المهنية في تحمل المسؤوليات. فالأطباء، كما يقول أحمد الفارسي، “ليسوا جلادين بل ضحايا لنظام صحي متآكل”، والبلاد اليوم مطالبة بإصلاح جذري يضع صحة المواطن في قلب السياسات العمومية بعيدًا عن لغة التبرير والقرارات العقابية الظرفية.
قضية “مستشفى الموت” في أكادير لم تعد مجرد حادثة محلية، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمدى قدرة وزارة الصحة على إنقاذ ما تبقى من الثقة في القطاع العام. فإما أن يكون هذا التفاعل الوزاري بداية لمحاسبة حقيقية وشجاعة تعيد الاعتبار للمرفق الصحي العمومي، أو يتحول الملف إلى فصل جديد في مسلسل طويل عنوانه: من يدفع ثمن فشل السياسات الصحية في المغرب؟