مدونة الأسرة.. فرصة جديدة لتأكيد الاستثناء الإصلاحي المغربي

1 أبريل 2024
مدونة الأسرة.. فرصة جديدة لتأكيد الاستثناء الإصلاحي المغربي

الصحافة _ وكالات

أنهت الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة أشغالها وسلمت أمس السبت مقترحاتها إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش قصد رفعها إلى نظر جلالة الملك محمد السادس. وتقدّمت الهيئة بتقرير أشغالها الختامي إلى رئيس الحكومة في الأجل المحدد لها في الرسالة الملكية السامية المؤرخة بـ 2 أكتوبر والتي شكلت الإطار المرجعي الدستوري لانطلاق أشغالها. وتضمن التقرير مقترحات التعديل بشأن مدونة الأسرة بعد أشهر من المشاورات وجلسات الاستماع والمداولات التي أصغت فيها الهيئة إلى مختلف الفرقاء والمتدخلين والفاعلين من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال المرأة والطفولة وحقوق الإنسان وأحزاب سياسية ومركزيات نقابية وقضاة وممارسين وباحثين أكاديميين ومؤسسات وقطاعات وزارية.

ويعدّ هذا التمرين الديمقراطي الذي يعكس من جهة متانة المؤسسات الدستورية في بلادنا وسلاسة أعمالها المنظّمة بنصوص القانون، لبنة جديدة في مسار تعزيز الديمقراطية التشاركية التي تسمح بالاستماع إلى الآراء ووجهات النظر من شتى الأطياف والحساسيات المدنية والحقوقية والسياسية في قضية تعدّ من بين أكثر القضايا إثارة للنقاش والخلافات والجدل. ومن بين أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة الهيئة الحالية على مدار الأشهر الستة الماضية أنها تعكس إلى حد بعيد التطوّر الذي شهدته بلادنا على مستوى العقليات وترسيخ القواعد الديمقراطية وأسس الحوار السلمي الرصين. يكفي أن نتذكر السياق الذي وُلدت فيه مدونة الأسرة الجاري بها العمل لندرك الفرق الهائل بين ذلك الزمن السياسي الملتهب والزمن الحالي.

كلّنا نتذكّر السياق الذي تطوّرت فيه الإصلاحات المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية في بداية الألفية الحالية. وكلّنا نتذكّر بالضبط يوم 12 مارس 2000 اليوم الذي شهدت فيه بلادنا انقساما خطراً على خلفية اقتراح حكومة عبد الرحمان اليوسفي الخطة الإصلاحية الشهيرة بـ “خطّة إدماج المرأة في التنمية”. في ذلك اليوم حُشدت مسيرتان إحداهما في الدار البيضاء لتأييد الخطة وشارك فيها بضعة آلاف، بينما جمعت مسيرة الرباط المعارضة للخطة مئات الآلاف من المتظاهرين. يومها بدا المغرب منقسما إلى تيارين متعارضين على شفا الصراع والمواجهة: تيّار محافظ يرفض الإصلاح وتيار حداثي يطالب بتحسين أوضاع المرأة. ووسط هذا الصراع كانت الحكمة الملكية تدبّر هذا الخلاف بالكثير من الرصانة والتبصّر.

فتطلّب الأمر 3 سنوات متواصلة من الحوار الهادئ والنقاشات العلمية والأكاديمية والجدل السياسي قبل أن يحدث التوافق الوطني على مدوّنة الأسرة ويعلن جلالة الملك محمد السادس في الخطاب الملكي بتاريخ 10 أكتوبر 2003 عن أهم التعديلات التي ظهرت في الصيغة النهائية لمدونة الأسرة. إن أهم مكسب تحقّق اليوم وظهر بجلاء في تجربة الهيئة الحالية هو خروج النقاش حول مدونة الأسرة من ربقة الصراع الأيديولوجي الذي كان يحكم الإصلاحات السابقة. ولعلّ ذلك يرجع إلى سببين رئيسين: السبب الأول هو التغيّر الواضح الذي حدث على مستوى الثقافة المجتمعية والتطور الكبير الذي شهدته العقليات والحساسيات التي تخترق المجتمع. لقد تراجعت على سبيل المثال حدّة الربط بين فكرة إصلاح مدونة الأسرة ومسألة القداسة التي تميّز المرجعية الدينية المنبثقة منها.

والسبب الثاني وهو الأهم في نظرنا هو التاريخ الإصلاحي الذي أسّسته الرؤية الملكية المتبصرة. يرتكز هذا التاريخ الإصلاحي الرصين بالأساس على اطمئنان عام إلى ثوابت الأمة التي يعدّ جلالة الملك الضامن الأساسي لها، ولا سيّما بعد أن أعلن جلالته في مناسبات عدّة أنه لا يمكن أن يحّل حراما ولا أن يحرّم حلالا. هذه القاعدة التي ألحّ الملك محمد السادس على التذكير بها في غمرة انشغال الهيئة الحالية بأداء مهامها كانت إشارة واضحة إلى أن مدونة الأسرة في صيغتها الجديدة المرتقبة لا يمكن أن تخرج عن منطق التوازن الذي ميّز دائما هذه النوعية من الإصلاحات في تاريخ بلادنا.

لذا؛ من المتوقع أن تمثل مدونة الأسرة في صيغتها النهائية الجديدة التي سينظر فيها جلالته قبل عرضها على البرلمان، نموذجا جديدا من نماذج الإصلاح الهادئ والرصين والمتوازن الذي يحرص من جهة على تعزيز حقوق الفئات الهشة، ولا سيّما فئة الطفولة، ويساعد المرأة المغربية أيضا على مواصلة مسيرة التمكين والإنصاف والمساواة، مع الحرص في الوقت نفسه على احترام ثوابت الأمة المستندة بالأساس إلى مرجعية دينية معتدلة قائمة على أركانها الثلاثة: المذهب المالكي والتصوّف السني والعقيدة الأشعرية. وبين المصلحة الظرفية والثوابت الدينية ستؤكد هذه المدونة أيضا التزام المغرب بمسار التحديث والانفتاح على القيم الإنسانية في بعدها الكوني. وهذا يعني أن مدونة الأسرة الجديدة ستشكل لا محالة فرصة أخرى لتأكيد الاستثناء المغربي في ظرفية تاريخية وجغرافية مشوبة بالكثير من مظاهرة الريبة وعدم اليقين.

المصدر: الدار

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق