“مدارس الريادة”.. مشروع إصلاح أم عنوان جديد لفشل التعليم المغربي؟

14 أكتوبر 2025
“مدارس الريادة”.. مشروع إصلاح أم عنوان جديد لفشل التعليم المغربي؟

الصحافة _ كندا

تعيش المنظومة التعليمية المغربية واحدة من أكثر مراحلها توتراً منذ بداية الألفية الجديدة، بعد أن تحوّل ملف إصلاح التعليم إلى ساحة صراع سياسي واجتماعي مفتوح، يعكس عمق أزمة الثقة بين الحكومة والمجتمع. فبين مشروع “مدارس الريادة” الذي تراهن عليه وزارة التربية الوطنية، وحركة احتجاجات شبابية متصاعدة يقودها جيل “زد”، يبدو أن المدرسة المغربية أصبحت في قلب معركة رمزية حول مستقبل العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في البلاد.

في البرلمان، احتدم النقاش داخل لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، حيث صبّت فرق المعارضة جام غضبها على الحكومة، معتبرة أن مشروع “مدارس الريادة” لا يرقى إلى مستوى الإصلاح الحقيقي، وأنه مجرد عملية “تجميلية” لتلميع صورة قطاع يعاني من أعطاب عميقة. وأكدت مداخلات النواب أن الحديث عن “مدارس رائدة” في مناطق ما تزال مؤسساتها التعليمية تفتقر إلى الماء والكهرباء والتجهيزات، هو نوع من “التناقض المؤسسي” الذي يفقد السياسة التعليمية مصداقيتها أمام الرأي العام.

النائبة خدوج السلاسي، عن الفريق الاشتراكي، عبّرت بوضوح عن هذا الشعور العام حين قالت إن “الإصلاح لا يُقاس بعدد الأجهزة الرقمية ولا بالشعارات الحديثة، بل بمدى قدرة المدرسة العمومية على استعادة ثقة الأسر المغربية”. وأضافت أن مشروع “مدارس الريادة” يفتقد إلى رؤية علمية دقيقة، متسائلة ما إذا كانت الحكومة بصدد تنفيذ خطة مدروسة أم أنها تمارس “تجريباً مفتوحاً في قطاع حيوي لا يحتمل المغامرة”.

أما حسن أومريبط، عن حزب التقدم والاشتراكية، فقد وصف المشروع بأنه “نتاج ارتباك في التصور وضعف في التنفيذ”، مشيراً إلى أن الوزارة نظمت تكوينات للأطر التربوية بعد انتهاء الموسم الدراسي، ما جعلها بلا جدوى عملية. وأكد أن عدداً من المؤسسات المصنفة ضمن “مدارس الريادة” تعاني خصاصاً كبيراً في الموارد البشرية، وبعضها بدون مدير قار، وهو ما يناقض كلياً مفهوم “الريادة” الذي تروّج له الوزارة.

الانتقادات بلغت ذروتها مع مداخلة عبد الصمد حيكر، عن العدالة والتنمية، الذي اعتبر المشروع “عملية دعائية أكثر منها إصلاحاً هيكلياً”، مشككاً في مصداقية الأرقام التي تقدمها الوزارة بشأن نسب النجاح وجودة التعلمات. كما أثار تساؤلات حول هوية الجهة الاستشارية التي صمّمت المشروع والمعايير المعتمدة لاختيار المؤسسات المستفيدة، قبل أن يعلن عن نية فريقه البرلماني المطالبة بمهمة استطلاعية لزيارة هذه المؤسسات والتحقق من واقعها الفعلي.

بالتوازي مع هذا الجدل البرلماني، تشهد شوارع عدد من المدن المغربية موجة احتجاجات شبابية متنامية، يقودها شباب جيل “زد”، الذين يرون في التعليم العمومي مرآةً لفشل السياسات العمومية في خلق تكافؤ حقيقي للفرص. هؤلاء الشباب، الذين نشأوا وسط وعود متكررة بالإصلاح، باتوا اليوم أكثر وعياً بعمق الأزمة، وأشدّ انتقاداً لسياسات يعتبرونها فاقدة للبوصلة. فبالنسبة لهم، لم تعد المدرسة المغربية قادرة على أداء وظيفتها كأداة للارتقاء الاجتماعي أو كممر نحو سوق الشغل.

الاحتجاجات الأخيرة تعبّر عن تحول نوعي في وعي الأجيال الجديدة، إذ لم تعد تكتفي بالمطالبة بتحسين الخدمات، بل باتت تطرح سؤالاً جوهرياً حول جدوى النموذج التعليمي برمّته، ومدى ارتباطه بالمشروع التنموي الذي تتبناه الدولة. فحين يخرج الطلبة والشباب إلى الشارع، لا بد أن في الأمر أكثر من مجرد مطالب آنية؛ هناك أزمة ثقة عميقة في العلاقة بين المواطن والمؤسسة التعليمية، وهي أزمة لا يمكن لأي مشروع يحمل اسم “الريادة” أن يخفيها.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق