الصحافة _ كندا
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن اسم محمد وهبي، الرجل الذي خطف الأنظار دون ضجيج، وقاد “أشبال الأطلس” إلى نهائي كأس العالم لأقل من 20 سنة في إنجاز غير مسبوق، جعل العالم يتحدث عن الجيل الجديد من الكرة المغربية.
ابن الـ48 سنة، الذي يحمل الجنسيتين المغربية والبلجيكية، لم يأتِ من رحم الشهرة ولا من بوابة النجومية الكروية، بل من عالم التعليم.
نعم، فقد بدأ محمد وهبي حياته المهنية أستاذاً، قبل أن يدفعه شغفه بكرة القدم إلى مغامرة جديدة، كانت ستغير مسار حياته كلياً.
درس كرة القدم كما تُدرس العلوم، واشتغل على تفاصيلها بعقل أكاديمي ومنهج صارم، ليصنع لنفسه لاحقاً اسماً يُحترم في واحدة من أعرق مدارس التكوين في أوروبا.
الانطلاقة الحقيقية له كانت سنة 2003 من أكاديمية نادي أندرلخت البلجيكي، حيث اشتغل مع فئة أقل من تسع سنوات.
هناك، تعلّم كيف يُصنع اللاعب من الصفر، وكيف تُغرس في الأطفال روح الفريق والانضباط قبل الموهبة.
تدرّج داخل النادي خطوة بخطوة، إلى أن أصبح مساعداً في الفريق الأول، واكتسب تجربة أوروبية خالصة جعلته ينال أعلى شهادة تدريب من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA PRO)، وهي ذات الشهادة التي يحملها كبار مدربي القارة العجوز.
حين عيّنته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في مارس 2022 مدرباً لمنتخب أقل من 20 سنة، خلفاً للإدريسي، اعتبر البعض القرار مجازفة.
لكن وهبي ردّ عملياً على كل الشكوك، وبدأ في بناء مشروع كروي متكامل، لا يعتمد على الأسماء بقدر ما يعتمد على الفكرة والهوية.
أعاد تنظيم المنتخب من الداخل، غيّر طريقة اللعب، أعطى الثقة للمواهب الصاعدة، وربط الانضباط بالنتيجة.
اليوم، يقف محمد وهبي أمام التاريخ، يقود جيلاً مغربياً استثنائياً نحو المجد العالمي، بعد مسيرة مذهلة أطاح خلالها بمنتخبات عملاقة، كان آخرها فرنسا، في مباراة مثيرة انتهت بفوز “الأشبال” بركلات الترجيح.
المدرب الذي لا يرفع صوته في المؤتمرات الصحفية، ولا يلهث وراء الكاميرات، أصبح فجأة أيقونة جديدة للكرة المغربية الحديثة.
إنه نموذج جديد للمدرب المغربي: هادئ، أكاديمي، صارم، ومؤمن بأن كرة القدم مشروع وطني قبل أن تكون مباراة.
وفي كل مرة يقف فيها على خط التماس، بوجهه المطمئن ونظرته الثاقبة، يتجلى أن المغرب دخل فعلاً مرحلة جديدة في صناعة الأمل الكروي.
مرحلة لا تصنعها الصدفة، بل يصنعها رجال يعرفون متى يتكلمون، ومتى يتركون الميدان يتحدث عنهم.