الصحافة _ كندا
يبدو أن طموح المغرب في محاربة الفساد يتلاشى تدريجيًا، مع استمرار التراجع في المؤشرات الدولية، ودخول الولاية الحكومية الحالية مراحلها الأخيرة دون تحقيق وعودها في هذا المجال. آخر التقارير الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية “ترانسبرانسي” كشفت أن الحكومة لم تجعل مكافحة الفساد أولوية حقيقية، رغم التزاماتها المعلنة أمام البرلمان منذ أكتوبر 2021.
ففي الوقت الذي تعهدت فيه الحكومة بتعزيز صورة المملكة على المستوى الدولي في مجال الحكامة الجيدة، والديمقراطية التشاركية، ومحاربة الفساد، جاء تقرير المنظمة لعام 2024 ليؤكد تراجع المغرب بنقطة إضافية في مؤشر إدراك الفساد، محتلًا المرتبة 99 عالميًا من أصل 180 دولة، بعد أن كان في المرتبة 97 سنة 2023.
وفي هذا السياق، اعتبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، هذا التراجع “صفعة جديدة” للحكومة، التي تروج لإنجازات في محاربة الفساد، بينما تغض الطرف عن الاختلالات البنيوية التي تحول دون تحقيق تقدم ملموس. وأوضح الغلوسي أن الفساد في المغرب أصبح “منظومة متجذرة”، تُحصن مواقع الريع، وتحمي المصالح الفئوية، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لتفكيك بنيته العميقة.
وأشار إلى أن الحكومة لم تُفعّل مقتضيات الفصل 36 من الدستور، الذي ينص على تخليق الحياة العامة، ومواجهة استغلال السلطة والاحتكار، وتعزيز الحق في المعلومة والمساواة أمام القانون. كما لفت إلى واقعة رئيس الحكومة داخل البرلمان، حين دافع بصوت عالٍ عن أحقية شركته في صفقة تحلية مياه البحر بمليارات الدراهم، وهو ما اعتبرته المنظمات الدولية “إشارة خطيرة تعكس انحرافًا دستوريًا وأخلاقيًا في ممارسة السلطة”.
إضافة إلى ذلك، تواجه الحكومة انتقادات بسبب امتناعها عن عقد اجتماعات اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، رغم انتهاء مدة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد دون أن تحقق أي أثر ملموس. وأشار الغلوسي إلى أن “لوبي الفساد” عمل على إجهاض هذه الاستراتيجية منذ البداية، بهدف الحفاظ على امتيازاته داخل دوائر القرار.
كما تطرق إلى الدور الضعيف لمجلس المنافسة، الذي تحول، حسب تعبيره، إلى هيئة “تتوسل لشركات المحروقات لاحترام القانون”، وإلى محاولات تقزيم دور الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، وجعل مؤسسات الحكامة مجرد ديكور بلا تأثير حقيقي.
وفي سياق موازٍ، حذر الغلوسي من التعديلات التي أُدخلت على المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، والتي تقيد صلاحيات النيابة العامة في تحريك المتابعات ضد المتورطين في قضايا الفساد ونهب المال العام، ما يعكس، وفق قوله، هيمنة لوبيات الفساد على مراكز القرار ومحاولتها تكريس الإفلات من العقاب.
كما نبه إلى خطورة هذا التوجه على استقرار الدولة والمجتمع، معتبرًا أن استمرار هذا النهج يعمّق أزمة الثقة في المؤسسات، ويؤجج مشاعر الغضب والاحتقان الاجتماعي، في ظل تقارير دولية تضع المغرب ضمن الدول التي تعاني من ضعف الشفافية في التدبير المالي والسياسي.
وفي ظل هذا الواقع، دعا رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام إلى تبني استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد، تتجاوز الشعارات الفضفاضة، وتعتمد آليات واضحة لربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يضمن خروج المغرب من دائرة التقارير السوداء، ويحصنه من المخاطر الداخلية والتحديات الخارجية التي تهدد اقتصاده واستقراره.