الصٌَحافة _ وكالات
لم يكن يخطر على بال أن يصعد سليمان شنين، النائب عن حركة البناء الوطني، إلى رئاسة المجلس الشعبي الوطني في الجزائر، لكن اتفاقا في آخر لحظة حمله إلى هذا المنصب الذي لم يتقلده إسلامي منذ بدء عهد الانفتاح السياسي.
وجاء اختيار شنين بالتزكية، بعد أن انسحب كل المتنافسين على المنصب، وبقي وحيدا يحظى بدعم خصومه السياسيين المتكتلين في الأحزاب المسيطرة على المجلس، والتي كانت في السابق تدعم بقوة مشروع استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وبدا من طريقة اختيار شنين الذي لا تمتلك كتلة “الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء” التي ينتمي إليها سوى 8 نواب، أن أوامر فوقية وصلت كتل الأحزاب المحسوبة على السلطة لتسهيل مهمة النائب الإسلامي، مما أثار جدلا واسعا دفع البعض للاعتقاد بوجود صفقة تمت بين السلطة الفعلية ممثلة في المؤسسة العسكرية وقطاع من الإسلاميين.
وحتى داخل كتلة “الاتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء”، هناك اعتراف بأن تعيين الرئيس الجديد للمجلس جاء عن طريق الأوامر، لكن لغايات محمودة تسعى إلى مد جسور الثقة بين النظام والشارع.
وقال النائب حسن عريبي عن هذه الكتلة، إن “النظام الآن يسعى لتهدئة الشارع وهو يعتقد أن خصومه السياسيين سيستثمرون في أي تعيين آخر لرئيس البرلمان من وجوه العصابة وأحزاب الموالاة”.
لذلك، أوضح عريبي، أن “الأوامر وردت لأحزاب الموالاة بتدعيم المرشح النائب شنين سليمان على اعتباره أحد الشخصيات المشاركة في الحراك من أجل مد جسور ثقة بينه وبين الشارع ومن أجل وحدة وتلاحم الحراك وبذلك يحقق الغاية المرجوة”.
صدمة عند بعض الإسلاميين
ونال شنين أصوات أحزاب التحالف الرئاسي سابقا، المشكل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية الجزائرية وتجمع أمل الجزائر بالإضافة إلى كتلته البرلمانية، في حين قاطعت جلسة التصويت حركة مجتمع السلم التي رغم انتمائها للتيار الإسلامي رفضت الانخراط في دعم شنين.
وسارعت حركة مجتمع السلم التي تمتلك أكبر كتلة معارضة في البرلمان، إلى إعلان رفضها تعيين شنين بتلك الطريقة، وقالت إن وصوله إلى رئاسة البرلمان لا يختلف في شيء عن الأساليب القديمة المناقضة للديمقراطية.
وقال ناصر حمدادوش عضو كتلة حركة مجتمع السلم البرلمانية، إن حزبه غير معني بهذه الاختيار الصادم لا من قريب ولا من بعيد، ولا تغرّه هذه التطورات والمكاسب الظرفية.
وأوضح حمدادوش، أن ينخدع البعض بهذا الاختيار ويكون ذلك على حساب الحراك الشعبي والانتقال الديمقراطي الحقيقي، لامتصاصه والالتفاف عليه والانحراف بمطالبه الداعية إلى حتمية الاحتكام إلى الإرادة الشعبية”.
ويصل النائب في قراءته لما يجري إلى القول: “إنه صراعٌ بين الثورة الشعبية السلمية والثورة المضادة، والموفّق مَن لم يُصب بعمى الألوان، ولم تختلط عليه الأولويات، ولم ينخدع بأساليب الإغراء والاستدراج”.
أما عن لوم البعض لحزبه بأنه لم يساند أحد أبناء التيار الذي ينتمي إليه، فردّ حمدادوش بالقول: “الأصل أننا لا نتحمل مواقف غيرنا، والذي ينافس على أي انتخابات قادمة لابد أن يكون له بُعد وطني واسع، ولا يتكئ على بُعد إيديولوجي ضيق”.
مناورة السلطة
ويعدّ البرلمان الحالي، من أكثر مؤسسات الدولة المتوارثة عن عهد الرئيس بوتفليقة، إثارة للغضب الشعبي، بسبب اعتقاد الجزائريين أنه تحول إلى مكان للحصول على الامتيازات، لكن النظام يظل متشبثا ويسعى من خلال لتمرير مشاريع قوانين تتعلق بالانتخابات المقبلة.
لهذا السبب، أوضح الناشط في الحراك الشعبي، عبد الغني بادي، أن ما جرى بتعيين شخصية تُحسب ظاهريا على المعارضة، هو مناورة من حزب الأغلبية جبهة التحرير الوطني، الذي يريد أن يرجع إلى الخلف قليلا حتى يسكت الناس عنه.
وأضاف بادي في تصريح صحفي، أن حزب جبهة التحرير يُريد استعمال شنين كرئيس في الواجهة في حين يسيطر هو بأغلبيته على المجلس، على اعتبار أن منصب الرئيس دوره إداري فقط، في حين الشارع واضح، حسبه، في مطالبته برحيل جبهة التحرير واعتباره جهازا خطيرا يهدد مستقبل عملية التحول المنشودة، على حدّ وصفه.
بالمقابل، يتابع المتحدث، تريد السلطة التي أعطت الإيعاز بهذه الخطة إيهام الرأي العام، بأن هناك إرادة للتحول من خلال تعيين شنين، بما يوحي أنها مناورة أخرى من السلطة لمحاولة استمالة الإسلاميين في لعبة مفضوحة.
ورقة الإسلاميين
ويعتبر سليمان شنين من كوادر حركة مجتمع السلم سابقا حيث شغل في السابق منصب مدير ديوان الراحل محفوظ نحناح، قبل أن ينشق على الحركة بعد وفاة مؤسسها ويلتحق بالمجموعة التي أسست جبهة التغيير ثم لاحقا حركة البناء الوطني.
ويُعرف شنين قبل التحاقه بالبرلمان في الانتخابات التشريعية لسنة 2017، بنشاطه في مجال الإعلام، حيث يدير جريدة “الرائد” وله مركز دراسات وأبحاث.
ورغم انتمائه للمعارضة، إلا أن شنين يعد من أصحاب الطرح الوسطي وله صداقات واسعة داخل التيارات الأخرى والأحزاب المساندة للسلطة، وهو ما يكون قد أهلّه لهذا الاختيار.
ويرى الباحث في الحركات الإسلامية عدة فلاحي، أن تاريخ الإسلاميين في العمل للسياسي يُظهر دوما أنهم يستعملون إما كظهر يركب أو فزاعة للتخويف.
وفي اعتقاد النائب الإسلامي سابقا، فإن “سليمان شنين هو ورقة استخدمت من السلطة التي قدمت وجها سيئا للإسلاميين للاستهلاك وشقّ ما تبقى من صفوف التوافق النسبي داخل بيت المعارضة الناعمة المشكلة من الإسلاميين وبعض من أحزاب التيار الوطني”.
وأشار فلاحي إلى أن شنين “من الشخصيات التي عليها علامات استفهام كبيرة بخصوص للانشقاقات التي حدثت داخل بيت حركة مجتمع السلم والتي كان له دور فيها بتكليف من جهات في السلطة”، وهو اليوم، يقوم بنفس الدور، تمهيدا للمرحلة القادمة.