بقلم: محمد بوبكري
يُخضع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ كتابات آلاف مواطنيه لعمليات تحقيق وكشف لجنيات الأصابع بعد كتابة عبارات اعتبرها نظام كوريا الشمالية مسيئة لزعيم لا يجوز المساس به، ولا يبدو أن أمر كشف الفاعل عملية صعبة في بلد يخضع مواطنيه لمراقبة لصيقة، وطبعا يعلم “الجاني” مصيره من الآن، يقع هذا في بلاد تبعد كثيرا عن المغرب، لكن عقلية كيم جونغ موجودة في كل البقاع، ولا تتحين سوى فرص التكاثر والنمو، في حزب الاتحاد الاشتراكي يتربع زعيم على نفس شاكلة كيم جونغ، ولا مبالغة في ذلك، وتبيان ذلك سيقع على عاتقي في هذه الأسطر.
من هوايات زعيم الاتحاد الاشتراكي الحالية تتبع دقيق لمواقع التواصل الاجتماعي، ومعرفة كل التفاصيل المرتبطة بمعارضيه، ومتابعة كل ما ينشرون على حساباتهم الشخصية، بل ويصر الزعيم على معرفة من وضع علامة إعجاب بالمنشورات التي تنتقده، ويوهم زعيم العرعار الاتحاديين بأنه لا يتوفر على حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الأكيد أنه يستغل حسابات مقربين منه لتتبع كل كبرة وصغيرة تتعلق به شخصيا وبوضع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
الذين يضعون علامات الإعجاب بما ينشر معارضو الزعيم سيلقون مصيرا يقارب الإعدام المعنوي، أما المعارضون فتصبح كل الأسلحة جائزة الاستعمال في حقهم بما فيها التشهير وانتهاك حرمة الحياة الخاصة والضرب في الأعراض، فضلا عن التضييق في مصادر الرزق ولما السعي للتشريد في حال كان الطريق ميسرا لذلك.
لدى زعيم العرعار جيش مخصص لذلك، مدرب ومتخصص في الإشاعات والنميمة وانتهاك الحياة الخاصة للمناضلين، فصار الاتحاديون يخشون مواجهتهم، أو انتقاد زعيمهم الذي لا يعصون أوامرهم. زادت حدة الحروب المعنوية ضد المناضلين من معارضي زعيم العرعار هذه الأيام مع قرب موعد المؤتمر الوطني الحادي عشر، فصارت الأسلحة المعنوية متعددة بين الترهيب والترغيب، وصار المهام مقسمة بدقة بين الأتباع فهناك من يختص بمهاجمة المعارضين ومن يختص بمهاجمة الصحافيين وطبعا هناك مهام أكثر تعقيدا وهي الموكولة للزعيم نفسه وهي التواصل عبر قنواته بالصحف والمواقع تفاديا لتمرير صوت معارض أو كتابة ما يمكن أن يكون فيه “إساءة” للزعيم.
يجد المعارضون اليوم صعوبة في نشر مقالة تعارض الزعيم، في موقع أو جريدة، بل إن مواقع عمدت لسحب حوارات صحافية مسجلة ليتأكد أن آلة الزعيم الحربية اشتغلت بكيفية ناجحة في كثم أصوات المعارضين، والمخالفين، ولم يبقى لزعيم العرعار سوى التحقيق في من شاهد هذه الحوارات أو قرأ المقالات المعارضة حتى تتم محاكمته وانتهاك حياته الخاصة وحياة أسرته، أليس كيم جونغ صغير تنقصه فقط إمكانيات الديكتاتور، أما “بروفايل” الطغاة فهو موجود وكامل الأوصاف.
هذا الطاغي الصغير، الذي كان يناظر أتباعه ومواليه داعيا إياهم لمقارعة الدولة، ولي ذراعها حتى يتحصل على مكاسب حكومية، وطالب في وقت من الأوقات باعتماد ملكية برلمانية، تحقيقا لمزيد من المكاسب الديمقراطية لبلادنا، هو الذي يجاهد اليوم بكل ما أوتي من قوة ومال لإسكات وإخراس كل صوت معارض مهما كان مصدره، وخاصة الأصوات المطالبة بتجديد دماء الاتحاد الاشتراكي وتسليم المشعل لجيل جديد، وهذا ما يخشاه زعيم العرعار، ويسخر من أجله كل الإمكانيات بل وينذر في سبل ذلك الأموال وهو المعروف بشحه وبخله الشديدين.
زعيم العرعار وبعد أن أنهى مهمته في تغيير جينات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية باستقدام غرباء وتزكيتهم باسم الحزب، ومنحهم مهام المسؤولية داخل التنظيم، يحاول اليوم قبيل المؤتمر إنجاز مهمته الثانية، وهي إقبار ضمير الاتحاد عبر إسكات صوت الاتحاديين الأصلاء، بالترهيب والترغيب والحيلولة بينهم وبين الإعلام، ومهاجمتهم في أعراضهم وأسرهم.
بُني الاتحاد الاشتراكي على قاعدة الرأي والرأي المغاير وشمل الحزب الجميع، في ساحة النقاش السياسي النبيل، والمثمر والذي أزهر زخما سياسيا أفاد الوطن والمواطنين والتجأت الدولة إليه في مساس الحاجة لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية قبل أن يتحول لحزب يبتز زعيمه الدولة حتى بتسخير مواليه للتصويت لصالح جبهة البوليساريو في ملتقيات أممية.
الزعيم يريد الإجهاز النهائي على إرث الاتحاد الاشتراكي، بل أوصله تعطشه للسلطوية لحد تشويه صورة قادة الاتحاد التاريخيين، ومقربوه يعلمون ما يقول في حق عبد الرحيم بوعبيد وغيره من أهرامات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
إن مهمة الاتحاديين الأصلاء اليوم مهمة شاقة ولا تختزل في مؤتمر أو محطة تنظيمية، بل إن هذه المهمة اليوم تبدو أكثر جسامة مما نتصور إنها تخليص الاتحاد من أخطبوط يريد أن يُقبر كل ما يتعلق بالاتحاد ومجد الاتحاد، إن هذه المهمة تتمثل باختصار في مواجهة الديكتاتورية والسلطوية بصدور عارية ورؤوس مرفوعة…