كيف نجحت الملكيات العربية في تجاوز الثورات الشعبية؟

26 نوفمبر 2019
كيف نجحت الملكيات العربية في تجاوز الثورات الشعبية؟

الصحافة _ وكالات

بعد اندلاع الربيع العربي بموجتيه الأولى والثانية، تمكنت الملكيات العربية من إبعاد نيران الثورات التي عصفت بجاراتها الجمهورية عن دولها، بالالتفاف عليها أو احتوائها أو الانخراط الجدي في إجهاضها، ما مكنها من المحافظة على استقرار أنظمتها السياسية وثباتها.

وعلى الرغم من كثرة شكاوي المواطنين في غالب الملكيات العربية من تردي الأوضاع الاقتصادية، وضيق الأحوال المعيشية، وانسداد آفاق العمل السياسي، وسيادة النظم الاستبدادية، تماما كما هو الحال في الجمهوريات العربية التي عصفت بها نيران الثورات، إلا أن الملكيات نجحت إلى حد كبير في تجاوز تلك الثورات الشعبية، وإبعاد تهديداتها عنها.

نجاح الملكيات العربية في تجاوز الثورات الشعبية، والإفلات من موجاتها الاحتجاجية المتتابعة، وتمكنها من المحافظة على استقرار أنظمتها السياسية، أثار تساؤلات حول أسباب وكيفية نجاحها في ذلك، وهل هي محصنة ضد الثورات والاحتجاجات الشعبية العارمة التي عمت العديد من جمهوريات الجوار، أم أنها هي الأخرى معرضة للإصابة بما أصاب جاراتها؟

يشير أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأردنية، الدكتور أحمد البرصان إلى أن طبيعة العلاقة بين الملكيات والجمهوريات العربية قائمة على الصراع، خاصة في النصف الثاني من القرن الماضي، حيث كانت الملكيات في موقف دفاع أمام زخم الجمهوريات التي وعدت الجماهير بدولة الرفاه والاستقرار السياسي.

وأضاف: “لكن فشل الجمهوريات العربية في تحقيق ما وعدت به الجماهير، وكثرة الانقلابات السياسية فيها، ووقوع نكسة حزيران سنة 1967 بمأساويتها وتداعياتها الخطيرة، أظهر عجز الجمهوريات العربية، ما جعل الملكيات العربية تبدو وكأنها الأقوى والأكثر استقرارا من الجمهوريات، وهو ما مكنها فيما بعد من المحافظة على الاستقرار السياسي فيها”.

وتابع حديثه بالقول: “لكن تلك الملكيات في مرحلة الربيع العربي أصبحت في حالة هجوم، لأنها باتت تستشعر خطر الربيع العربي عليها، وأنه يشكل تهديدا حقيقيا لوجودها، فيما إذا انتقلت شرارته إلى دولها”.

ولفت إلى أن الملكيات العربية قامت على شرعيات تاريخية ووراثية وبعضها دينية، لكن الربيع العربي بات يقدم عليها شرعية ثورية وشعبية، وهو ما يضع تلك الملكيات في مواجهة تحديات حقيقية أمام جماهيرها، بعد أن نجحت إلى حد كبير في تجاوز الثورات الشعبية.

ورأى البرصان أن “استقرار أنظمة الملكيات العربية مرتبط بشكل مباشر بما يحدث ويجري في دول الربيع العربي، فإن نجحت الثورات العربية وقدمت نموذجا ناجحا، فإن ذلك سينعكس على دول الملكيات العربية، وهو ما يدفعها -من ثَمّ-إلى انتهاج السياسة الوقائية، بالعمل على احتواء تلك الثورات أو تشويهها أو إجهاضها” على حد قوله.

من جهته بيّن الأكاديمي والكاتب السياسي اليمني، الدكتور رياض الغيلي أن “الدافع الأكبر للموجتين الأولى والثانية من الربيع العربي كان تفشي الفساد المالي والإداري في منظومة الحكم، مقابل تفشي الفقر والبطالة بالمجتمع، وهو ما كان وما يزال سمة طاغية في الأنظمة العربية الجمهورية، لذلك تحركت شعوبها في الموجة الأولى عام 2011، وفي الموجة الثانية عام 2019″، مضيفا “لكن ثمة اختلافات في الأنظمة الملكية، إذ يبدو الفساد والفقر والبطالة فيها أقل مما هو موجود في الأنظمة الجمهورية”.

وتابع حديثه بالقول: “على إثر الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي قامت بعض الأنظمة الملكية بإصلاحات سياسية استباقية ولو جزئية، كتلك التي حدثت في المغرب والأردن، أو مكرمات ملكية مغرية كتلك التي كانت في السعودية إبان حكم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز”، مشيرا إلى أن “هذه التحركات البسيطة أجهضت أي نوايا شعبية في البلدان للتحرك في إطار الموجة الأولى من الربيع العربي”.

ولاحظ الغيلي أن “الموجة الثانية من الربيع العربي – على عكس الموجة الأولى – تروق للأنظمة الملكية، بل وتدعمها لأنها تستهدف أنظمة معادية لها كحكم الملالي في العراق أو حزب الله في لبنان، أو أنظمة غير راضية عنها كالنظام السوداني السابق، والنظام الجزائري كذلك، لذلك نجد تناغما في دعم هذه الموجة من الثورات بين الأنظمة الملكية وشعوبها”.

وعن مدى تأثير ما آلت إليه أحوال دول الموجة الأولى من الربيع العربي كاليمن وليبيا وسوريا، وحتى مصر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، ذكر الغيلي أن كل ذلك لا يشجع شعوب الأنظمة الملكية للحاق بركب الثورات؛ لأن حال هذه الدول أفضل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا إلى حد كبير”.

بدوره وبنظرة مغايرة، أبدى الكاتب والباحث المغربي في الفلسفة السياسية، الدكتور فؤاد هراجة تحفظه الشديد على “الرأي القائل بأن الملكيات العربية قد تجاوزت ثورات الربيع العربي بسلام، لأن الواقع يثبت العكس”.

وواصل توضيح رأيه بالقول: “ذلك أن بعض هذه الملكيات، وأقصد السعودية والإمارات متورطة حتى النخاع في الحرب على اليمن، ودعم فصائل في سوريا، وتمويل الانقلاب في مصر، والتدخل المباشر في البحرين، وضرب حصار على دولة قطر باعتبارها داعمة لثورات الربيع العربي، ودعم اللواء حفتر المنقلب على الشرعية في ليبيا”.

وأكدّ أن “كل هذا التورط يؤكد بما لا يدع شكا أن الملكيات العربية اختارت أن تخوض الحرب على الثورات في معاقلها بغرض إفشالها من جهة، وإشعال نار الحرب الأهلية من جهة ثانية، لتجعل من هذه الدول المحروقة كسوريا وليبيا واليمن فزاعة تخيف بها شعوبها، وتخيرهم إما بين الاستقرار أو الثورة والحرب والدمار والهجرة”.

وركز هراجة على أن “انخراط الملكيات العربية في وأد الثورات ودعم الانقلابات وتمويلها، وتحمل تبعاتها لدليل قاطع على أنها لم تتجاوز اللحظة الثورية المتجددة، كما أن استمرار احتكار السلطة والثروة بيد الطبقة الملكية الحاكمة، وحرمان الجماهير الشعبية الغارقة في بؤس الفقر من توزيع عادل للثروات، في عالم أصبح مفتوحا، لينذر بزلازل اجتماعية قادمة وفي الآجال القريبة”.

وقال هراجة: “لا أعتقد أن ثمة دولة ملكية في مأمن من موجة ثورات ثانية ستجتاح المنطقة دولة تلو الأخرى، ثم إن الحديث عن الملكيات والجمهوريات في الوطن العربي لا يدعو إلى التمييز بينهما، لا سيما أن الرؤساء في الوطن العربي يحكمون حتى يموتون، ويورثون من بعدهم من أبنائهم”، متسائلا: “فما الفرق إذن بين النظامين الملكي والجمهوري؟”، ليجيب: “لا شيء غير الاسم”.

ولفت إلى أن “تجدد المناخ الثوري في السودان والجزائر ولبنان والعراق، ونجاح الانتخابات في تونس، يضيق الخناق على ملكيات الخليج التي تستقوي بتحالفاتها الخارجية وثرواتها النفطية، أما المغرب والأردن، فإن كل المؤشرات تدل على أن الأوضاع قابلة للاشتعال في أي لحظة”.

واستذكر هراجة في ختام حديثه حالة “سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان أعتى وأقوى اقتصاديا وعسكريا من الملكيات العربية جراء الفوراق الطبقية، وهو المثال القريب الذي يبعد فرضية تقول باستحالة سقوط أنظمة الملكيات العربية طالما أن شعوبها تزداد يوما بعد يوم فقرا وبؤسا وتهميشا وقمعا، إذ تؤكد كل هذه المؤشرات أننا على موعد مع انتفاضة الشعوب في وجه الأنظمة الملكية الحاكمة” وفق وصفه.

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص المحتوى والإعلانات، وذلك لتوفير ميزات الشبكات الاجتماعية وتحليل الزيارات الواردة إلينا. إضافةً إلى ذلك، فنحن نشارك المعلومات حول استخدامك لموقعنا مع شركائنا من الشبكات الاجتماعية وشركاء الإعلانات وتحليل البيانات الذين يمكنهم إضافة هذه المعلومات إلى معلومات أخرى تقدمها لهم أو معلومات أخرى يحصلون عليها من استخدامك لخدماتهم.

اطّلع على التفاصيل اقرأ أكثر

موافق