الصحافة _ وكالات
رغم مرور أكثر من 8 سنوات على الربيع العربي بالمغرب، الذي أطلق عليه «حراك 20 فبراير»، ما زالت تداعياته وإفرازاته وقراءة نتائجه محور اهتمام الأوساط السياسية والحقوقية المغربية، وشكل محور ندوة نظمتها بالرباط الجمعية المغربية للعلوم السياسية حول موضوع «القيم والمؤسسات الديمقراطية: ما الذي تغير بعد الربيع العربي؟» بمشاركة عدد من الفاعلين السياسيين والمفكرين.
ودعا حسن بناجح، القيادي والناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، أقوى الجماعات المغربية ذات المرجعية الإسلامية، إلى مرحلة أخرى «تأسيسية استدراكية أو تكميلية لما حدث سنة 2011 لأن «ما وقع سنة 2011 هي موجة أولى من الموجات لإعادة بنية الحكم في المغرب. وأكد أن المغرب يحتاج إلى مرحلة تأسيسية حقيقية، نستطيع من خلالها بناء دستور ديمقراطي حقيقي ناشئ ليس بطريقة المنح إنما ناشئ عن هيئة شعبية منتخبة وبمضامين حقيقية للمؤسسات الديمقراطية .
وبخصوص إشكاليات تنزيل النص الدستوري، قال بناجح إن المشكل أكبر من هذا، الإشكال في تقدير المتحدث هو في النص في حد ذاته، حتى الإيجابيات التي يراها البعض أتساءل هل تم احترامها؟ ليخلص إلى أن المشكل في النص وفي منهجية وضع النص، داعياً إلى تحرير الدين، لأن الدين مستلب محتكر، متسائلاً أين هي مؤسسات العلماء لتشتغل؟ ومتى ستخرج لتعطينا رأيها؟، وأشار بناجح إلى أن الملك جاء وقال: لا أحل حراماً ولا أحرم حلالاً، فلماذا يتوجه البعض للحلقة الأضعف كالإسلاميين المتواجدين في الحكومة وغيرهم في المجتمع، مع العلم أن المشكل في جهات أخرى، فعندما تكون عندنا مؤسسات حقيقية تمثل المجتمع نناقش.
واعتبر أن الإسلام هو دين الغالبية الساحقة من الشعب، وأنه هو المرجع الأول في القيم وينبغي احترامه، وأنه لا اعتبار لمن يعتمد أسلوباً انتقائياً من النصوص الشرعية فقط لجلب الإثارة والسخرية. وقال إن بعضاً ممن يدعي الديمقراطية لا يخضع لنتائجها ويريد فرض ديكتاتورية الأقلية احتماء بالاستبداد، مثل معركة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية (2000) حيث حاول البعض فرض رأيه بالشارع، لكن لما خرج الإسلاميون للشارع بأعداد أكبر قال بعض مدعي الديمقراطية إن الأعداد لا تهم.
واعتبرت أمينة ماء العينين، البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية (الحزب الرئيسي بالحكومة، وذات المرجعية الإسلامية) أن المرحلة التي يعيشها المغرب تتجه بإمعان إلى قتل السياسة، وتتجه إلى التخلي التدرجي للشعوب عن فكرة الديمقراطية، ما دامت لم تتمكن اليوم من تحقيق الأهداف التنموية وحدت من هذا التوجه.
وأكدت أن «رهاننا جميعاً هو التصدي لهذه السلطوية التي تبخس الأحزاب، حيث إن بعض الأحزاب ونخبها استحلت هذا الواقع وتستثمر فيه بزعاماتها وتقتل الآليات الديمقراطية الداخلية ولم تعد تستطيع فتح المجال لقيم نضالية جديدة تحتك بمواقع السلطة وتخلق نموذجاً ديمقراطياً».
ودعا النشاط المدني، كمال الحبيب، إلى جبهة شاملة للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وإذا تم خلق هذه الجبهة، «سنكون قد حققنا خطوة مهمة»، متسائلاً: كيف يمكننا أن نبني هذه الجبهة حول ثلاث نقاط مهمة: المؤسسات، والديمقراطية التشاركية، والحريات العامة؟
وطلب بتطوير المفاهيم، و»العمل للخروج من المقاربة الضيقة للحركة النسائية والحركة الحقوقية من أجل خلق حركة شاملة اجتماعية ذات بعد سياسي تطرح الإشكالات الكبرى، يدخل فيها كل ما يتعلق بالتغييرات الدستورية، والمنهجية التي تتحدث عن العدل والإحسان فنناقشها بأسلوب آخر أيضاً».
وأضاف كمال الحبيب: «لدينا إشكال يتعلق بكل الحقوق المؤسسة لدولة ديمقراطية، لا يعقل ألا يكون المجال لحرية التعبير والحريات الفردية وحرية التظاهر للجميع داخل هذا البلد؟ ولا يمكن السماح للبعض فيما الآخر يتعرض للقمع؟ وإن كنا نختلف طبعاً في كل ما يتعلق بالحريات الفردية وحرية العقيدة»، وقال إنه «بالرغم من تواجد حكومة العدالة والتنمية وإمكاناتها ما بعد 2011، ومع ذلك لم تستطع حل إشكال ما وقع في الريف».
واعتبر السلفي محمد عبد الوهاب رفيقي، أن هناك تحولات وقعت ما بعد سنة 2011، بخصوص تمثل الدين داخل المجتمع، وأن ما كان قبل الحراك ليس هو ما بعده، ولو أن بداية هذا التحول لم يبدأ مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي 2005، وهي سنة فاصلة في تاريخ البشرية، لكان من الصعب أن تبرز إلى المجتمع في ظل تحكم سلطوي.
وقال إن «عقدة الخوف قد كسرت مع الحراك، وإن البنيات القديمة التي كانت مسيطرة على المؤسسات قد تغيرت، وإن هذا أنتج عدداً من التحولات السريعة، إذ بعد سنوات قليلة وقعت مرة أخرى حالة من الإحباط لتقع أيضاً عدد من التحولات المرتبطة بذلك الإحباط».
وقال رفيقي إن من مظاهر هذه التحولات ظهور أشكال متعددة من التدين لم تكن معروفة من قبل، و»نحن نعرف من قبل كان هناك تدين حركي، تدين ثقافي وتدين رسمي، من بعد حراك 2011 ظهرت أشكال وقراءات»، معتبراً إياه ظاهرة صحية. وقال إن من التحولات التي وقعت بالإضافة إلى ما سبق، انتعاش التطرف، وأن داعش بالصورة التي ظهرت بها وبالقوة التي كانت عليها كانت من نتائج هذا الأمر، إذ «هناك شباب كانوا يؤمنون بالمسار الديمقراطي، ولكن بعد النكسات وخيبات الأمل التي وقعت بعد الربيع، فقدوا الأمل في كل شيء، وهناك من ذهب إلى داعش فقط بسبب الخيبات والإحباط الذي وقع».
وقال رفيقي إن «المجتمعات الإسلامية تعرف موجة عن الارتداد والنكوص عن الدين، ذلك أن الربيع العربي عرى الكثير من الخطابات الدينية وكشف عن كثير من التناقضات فيها، وأسقط الكثير من الزعامات الدينية، خصوصاً لما وقعت حالة الإحباط وحالة الفشل، وبات بعض الزعامات الدينية التي استغلت الوضع سنة 2011، يتحدث بمصطلحات الحرب، كالتمكين والقوة والعزة ووعد الله آت والنصر قادم، وفجأة تغير كل شيء؛ فأصبح الشباب لا يرى عزة ولا تمكيناً، والناس يدخلون السجون، فكانت ردة فعل تجاه الدين».