الصحافة _ كندا
أثار مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، وتحديدًا المادتين 3 و7 منه، موجة قلق عارمة في الأوساط الحقوقية والقانونية، وسط تحذيرات من انتكاسة دستورية خطيرة تمس جوهر استقلال القضاء وتفقد جهود محاربة الفساد مصداقيتها. رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، عبّر عن استغرابه من هذا المنحى، معتبرا أن المشروع يُعيد المغرب إلى الوراء ويُحيي آليات كانت سببًا في إفلات الفساد من العقاب، من خلال تكريس تبعية النيابة العامة لتقارير أجهزة تنفيذية.
الغلوسي استعرض المسار التاريخي لمحاربة الفساد المالي في المغرب، مشيرًا إلى أن بداية تجريم الأفعال المرتبطة باختلاس المال العام والرشوة والغدر واستغلال النفوذ تعود إلى سنة 1962، ثم إنشاء محكمة العدل الخاصة في 1965 التي كانت تابعة عمليًا لإذن وزير العدل، وهو ما جعلها أداة سياسية أكثر منها مؤسسة قضائية مستقلة، قبل أن تُلغى في 2004 نتيجة ضغط حقوقي. بعدها، جاءت إصلاحات ما بعد حراك 20 فبراير 2011 لتعزيز هذا المسار، بإحداث أقسام جرائم الأموال في محاكم الاستئناف الكبرى وتوفير حماية قانونية للمبلغين والشهود بموجب قانون خاص.
لكن مشروع التعديل الحالي يُثير مخاوف جدية من عودة منطق التحكم السياسي، إذ يُخوّل للمفتشيتين العامتين للمالية والداخلية – التابعتين للسلطة التنفيذية – إحالة تقاريرهما مباشرة إلى النيابة العامة لدى محكمة النقض، ما يعيد النموذج القديم الذي جعل تحريك المتابعة مشروطًا بقرار سياسي. ويرى الغلوسي في ذلك تراجعًا صارخًا عن روح دستور 2011 وانقلابًا ناعمًا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تُلزم المغرب بتعزيز استقلالية القضاء وضمان المساواة أمام القانون.
الغلوسي تساءل عن الجهات التي تدفع في هذا الاتجاه، محذرًا من خرق واضح للالتزامات الدستورية والدولية، ومؤكدًا أن هذا المسار لن يؤدي سوى إلى توسيع فجوة الثقة بين المواطنين والدولة، وتقويض جهود سنوات من التراكم الحقوقي والمؤسساتي. فهل هو إصلاح قانوني كما تدعي الحكومة؟ أم تمويه قانوني لشرعنة السيطرة على مفاصل العدالة وضمان الحصانة للمفسدين؟