بقلم: محمد بوبكري
توفي مؤخرا الإعلامي الجزائري ” سليمان بخليلي” على إثر إصابته بـ “فيروس كورونا”. ومن أغرب ما حدث هو أن الجنرالات أمروا “عبد المجيد تبون” و”صلاح كوجيل رئيس مجلس الأمة” بإرسال برقيتين إلى أسرة الفقيد، حيث عبر كل واحدمنهما في برقيته عن أسفه وحزنه على وفاة هذا الفقيد، كما نوها بخصاله الحميدة… وعندما نتأمل في وفاة هذا المرحوم، نجد أنه كان مصابا بفيروس “كورونا”، لكنه لم يمت من جراء ذلك، بل إنه توفي بسبب انقطاع الأوكسيجين عن مستشفى “مصطفى باشا” الذي كان يرقد فيه. وقد توفي جزائريون آخرون كثر بسبب انقطاع الأوكسيجين عن مستشفيات أخرى، ما يعني أن صحة الجزائريين لا تهم الجنرالات، حيث إن ضميرهم لم يحركهم عندما علموا أن الجزائريين يموتون من انقطاع الأوكسيجين عن مستشفيات البلاد، فلم يقوموا بأي شيء لإنقاذ أرواح الجزائريين، الذي قضوا اختناقا من جراء ذلك.
هكذا يتأكد أن برقيتي “العزاء والمواساة” اللتين بعث بها كل من ” تبون” وصلاح كوجيل” إلى أسرة هذا الفقيد هي، في العمق، مجرد سخرية من الجزائريين، لأن سياسة الجنرالات هي السبب وراء انقطاع الأوكسجين عن المستشفيات، ما يعني أن المسؤولية عن هذا العمل الشنيع ملقاة على هؤلاء الجنرالات، الذين قتلوا هذا الإعلامي وقرروا السير وراء نعشه، ما يعني أنهم يريدون المتاجرة به، الأمر الذي يفيد أنه لا قيم إنسانية لهم. وبذلك، فهم يتمعنون في خرق حق الإنسان الجزائري في الحياة، لأنهم ينهبون أموال الشعب الجزائري، ويهربونها إلى الخارج، ولا يولون أي اعتبار لحق الشعب الجزائري في الحياة، ما يلزم تدخل الأمم المتحدة، لأنهم لا يحترمون مبدأ الحق في الحياة، الذي هو أسمى مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان
وما يتجاهله الجنرالات هو أن المرحوم “سليمان بخليلي” قد كتب تدوينة على صفحة حسابه في “الفايسبوك” ورد فيها: إلى كل المحسنين في الجزائر العاصمة، وفي محيط المستشفى “مصطفًى باشا”. لقد انقطع عنا الأوكسيجين، ونحن في معاناة قاتلة، حيث نختنق. ومن يستطيع إنقاذ حياتنا، فأجره على الله.
وما زاد الطين بلة هو أن الجنرالات بعثوا زعيم “مليشيات “البوليساريو” “محمد بن بطوش” على متن طائرة طبية مجهزة بأرقى التقنيات إلى إسبانيا بهدف العلاج، ما يفيد أن هذا الإعلامي وغير من الجزائريين الذين توفتهم المنية بسبب انقطاع الأوكسيجين عن المستشفيات، يدل على أن الجنرالات يفضلون زعيم مليشيات “البوليساريو” على الشعب الجزائري، لأنهم أنفقوا أموال الشعب الجزائري عليه… ويرى خبراء جزائريون أن تكلفة الطائرة، التي تم نقل ” محمد بن بطوش” على متنها إلى إسبانيا، يمكن أن تغطي إمداد المستشفيات الجزائرية كلها بالأوكسيجين… ولو اطلع الجزائريون على جبال الملايير التي ينفقها الجنرالات على ” البوليساريو” ، فإنهم سيصابون بصدمة خطيرة، لأنهم سيطلعون بالملموس على تفاصيل سبب تفقيرهم وتجويعهم وتجهيلهم، وسيعرفون سبب عدم تنمية البلاد وغياب أي أفق للشباب الجزائري الذي تخنقه البطالة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث بعث الجنرالات “تبون” إلى ألمانيا، ثم إلى فرنسا، بهدف العلاج على نفقة الخزينة المركزية الجزائرية. ويرى العارفون بالأمور أن تكلفة علاج تبون بالخارج يمكن أن تبني مستشفى كبيرا بالجزائر العاصمة. فوق ذلك لقد ذهب كل من “سعيد شنقريحة” و”الزيتوني وزير المجاهدين، و”محمد أوسعيد” “المستشار لدى” تبون” في رحلات علاجية إلى الخارج على نفقة أموال الشعب الجزائري. ويؤكد خبراء جزائريون أن ما أنفق على علاج “تبون” و” شنقريحة ” و”محمد أوسعيد بلعيد”، يمكن يغطي تكلفة بناء عشر مستشفيات كبيرة في البلاد. وإذا كان “تبون” يدعي أن الجزائر تتوفر على أفضل منظومة صحية، فإن خبراء الجزائر في هذا الميدان قد اعتمدوا المعطيات أعلاه وغيرها لتعرية كذب هذا الشخص، وأكدوا أنه لا يوجد مستشفى واحد صالح في الجزائر. أضف إلى ذلك أن وفاة الإعلامي والمثقف المرحوم “سليمان بخليلي” قد فضحت عجز المنظومة الطبية الجزائرية، حيث يؤكد الصحفي الجزائري “هشام عبود” أن المستشفيات الجزائرية قد باتت مجرد غرف انتظار لنقل الجزائريين إلى المقابر…
علاوة على ذلك، يؤكد خبراء جزائريون أن ما ينفقه الجنرالات من ملايير خيالية على التسلح الهجومي هو السبب الأساس فيما تعيشه الجزائر من مآس اقتصادية واجتماعية، ما يفرض طرح الأسئلة التالية على جنرالات الجزائر: هل الجزائر في حرب؟ وهل هي معرضة لهجوم من قبل أحد؟ ولماذا هذا الإنفاق الأخرق على التسلح على حساب القوت اليومي للشعب الجزائري…؟
إذا نظرنا إلى هذه الظاهرة من زاوية أنثروبولوجية، فإننا نكتشف أن هؤلاء الجنرالات ما تزال تستولي عليهم عقلية قبلية، بدوية، فروسية، حيث يحلو لهم تنظيم المناورات العسكرية، والافتخار بسباق فرسانهم، وكأنهم يتفرجون على حفل “التبوريدة”، كما كان عليه الأمر في الأزمنة الغابرة للقبيلة العربية؛ فهم يخلطون بين الفرس والطائرة والدبابة، ويتخيلون أن الطائرة والدبابة كالفرس، حيث يتسلون بتحليقها، كما يفعل الأعرابي عندما يشاهد “التبوريدة”. فلا فرق عند هؤلاء الجنرالات بين “الفنطازيا” والمناورات العسكرية، ما يؤكد تخلفهم الثقافي… لذلك، فهم يعيشون ثقافيا في زمان غابر، ولا علاقة لهم بالعصر الحالي.