الصحافة _ كندا
لم يكد النظام العسكري الجزائري ينهي لحظة “انتصاره” المصطنع، حتى انكشف مجددًا عن حقده تجاه المغرب، في موقف يعكس حالة التخبط والارتباك التي يعيشها. ففي خطوة غير معهودة في العلاقات الدولية، أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانًا رسميًا مليئًا بالغل والحسد، تهاجم فيه زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي للصحراء المغربية، متناسية أنها بذلك تتدخل بشكل سافر في سيادة الدول، رغم ادعائها المتكرر رفض التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
النظام الجزائري، الذي اعتاد استخدام أذرعه الإعلامية لتمرير مواقفه العدائية، لم يجد هذه المرة مفرًا من الكشف عن وجهه الحقيقي، ليهاجم علنًا زيارة مسؤول حكومي فرنسي للمغرب، معتبرًا أنها خطوة “مستفزة”، رغم أنها تندرج ضمن العلاقات الطبيعية بين الدول. البيان الجزائري، الذي صيغ بلغة متشنجة تذكّر بخطابات الاستعمار البائدة، زعم أن فرنسا بانخراطها في هذا المسار “تستخف بالشرعية الدولية”، في تناقض صارخ مع واقع أن الجزائر نفسها تمارس أبشع صور التدخل في شؤون جيرانها، وتسخّر ثروات شعبها في تمويل مشروع انفصالي يفتقد لأي سند قانوني أو واقعي.
ما يكشف عن حالة الارتباك التي تعيشها الجزائر هو انتقائيتها في التعامل مع مواقف الدول، إذ التزمت الصمت حينما اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا بمغربية الصحراء، ولم تجرؤ على إصدار بيان مماثل ضد واشنطن، لكنها اختارت الدخول في مواجهة غير متكافئة مع دول مثل فرنسا وإسبانيا، قبل أن تعود في كل مرة إلى بيت الطاعة، بعد أن تواجه برفض قاطع لابتزازها ومحاولاتها فرض الوصاية على الدول.
زيارة الوزيرة الفرنسية رشيدة داتي إلى الأقاليم الجنوبية المغربية، رغم طابعها الثقافي، كانت بمثابة ضربة موجعة للنظام الجزائري، الذي رأى فيها تأكيدًا على تحول استراتيجي في العلاقات المغربية-الفرنسية. فهذه الزيارة ليست مجرد محطة عابرة، بل تأتي في إطار تنزيل عملي لمخرجات اللقاء الذي جمع جلالة الملك محمد السادس بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي أرسى قواعد علاقة جديدة بين الرباط وباريس، قائمة على الشراكة الاستراتيجية الواضحة. فتصريحات داتي حول تعزيز التعاون الثقافي المغربي الفرنسي، وارتداؤها الملحفة الصحراوية خلال زيارتها، لم تكن مجرد إشارات بروتوكولية، بل تأكيد ضمني على موقف باريس الثابت من ملف الصحراء المغربية.
حالة الغضب الجزائري تزداد حدة مع اقتراب زيارة منتظرة لرئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشي إلى المغرب، حيث يرتقب أن يلتقي عددًا من المسؤولين المغاربة، وقد تشمل الزيارة جولة في الأقاليم الصحراوية، ما يزيد من متاعب الكابرانات الذين حاولوا بشتى الطرق الضغط على باريس للتراجع عن موقفها، دون جدوى. فإصرار فرنسا على تثبيت اعترافها بمغربية الصحراء، واتخاذها خطوات متقدمة لتنزيله، لم يعد مجرد موقف سياسي، بل أصبح واقعًا دبلوماسيًا يؤكد أن الجزائر باتت خارج الحسابات الاستراتيجية لباريس.
في ظل هذا التصعيد، يبدو أن الجزائر أصبحت عاجزة عن التأثير على القرار الفرنسي، بل إن الأزمة المشتعلة بين البلدين آخذة في التصاعد، حيث كشف وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو عن إمكانية فرض عقوبات على شركة الطيران الجزائرية، بسبب رفضها نقل مهاجرين جزائريين مرحّلين من فرنسا، في خطوة تعكس حجم التوتر بين الطرفين. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل صرّح الوزير الفرنسي بأن بلاده بحاجة إلى إعادة صياغة علاقتها مع الجزائر، وإرساء ميزان قوى جديد، مما يؤكد أن باريس لم تعد تأخذ تهديدات النظام الجزائري على محمل الجد، بل أصبحت ترى فيه نظامًا ضعيفًا، يواجه عزلة دولية متزايدة.
المثير للسخرية أن النظام العسكري الجزائري، الذي أنفق أكثر من 500 مليار دولار من ثروات شعبه في دعم أطروحة الانفصال، وواصل تبديد أمواله في محاولات شراء المواقف الدولية، يجد نفسه اليوم محاصرًا بالعزلة والفشل السياسي. فبينما يعاني الجزائريون من أزمات اقتصادية خانقة، ونقص حاد في المواد الغذائية الأساسية، لا يزال حكام قصر المرادية يصرّون على مواصلة لعبة خاسرة، يدرك الجميع أن نهايتها ستكون فضح زيف شرعيتهم أمام شعبهم.
ما جرى خلال الأيام الأخيرة، وما حمله بيان الخارجية الجزائرية من توتر وارتباك، ليس سوى مؤشر آخر على أن النظام العسكري الجزائري يعيش على وقع صدمة جديدة، ستضاف إلى سلسلة انتكاساته في الملف الصحراوي. فزيارة داتي وما تلاها من تحركات فرنسية، لا تعني فقط أن باريس حسمت موقفها، بل تؤكد أيضًا أن الجزائر أصبحت خارج الحسابات، وفقدت كل أدوات التأثير التي كانت تبتز بها العواصم الكبرى.
النظام الجزائري، الذي بنى شرعيته على افتعال أزمة مفتعلة مع المغرب، بات اليوم أمام حقيقة مرّة: العالم يمضي قدمًا، والمغرب يرسّخ سيادته على صحرائه، بينما الجزائر تبقى غارقة في أزماتها الداخلية، وعزلتها الخارجية.