الصحافة _ كندا
لم يكن تأهل المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة إلى نهائي كأس العالم في تشيلي حدثًا رياضيًا عابرًا، بل زلزالًا وجدانيًا تجاوز المستطيل الأخضر إلى عمق الوجدان المغاربي، حيث تحوّل الانتصار على فرنسا إلى لحظة وحدة رمزية بين شعوبٍ فرقها الاستعمار وجمعتها الأمازيغية والكرامة.
فبينما دوّى الفرح في شوارع الرباط والدار البيضاء ومراكش، كان الصدى يصل من بعيد… من جبال جرجرة وتيزي وزو، حيث صدحت أصوات أمازيغ القبائل بهتافات “تحيا المغرب!” ورفرفت الأعلام المغربية إلى جانب راية تاقبايليت. لم يكن المشهد عادياً، بل تعبيراً صادقاً عن انتماءٍ ثقافي وروحي مشترك، يتجاوز الجغرافيا والسياسة الضيقة.
على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت صور العلمين المغربي والقبائلي جنباً إلى جنب، في لوحة أمازيغية تنبض بالكرامة والاعتزاز بالهوية. أحد النشطاء من تيزي وزو كتب:
“اليوم كلنا مغاربة… لأننا كلنا أمازيغ نحلم بنفس المجد ونرفع نفس الراية.”
كان هذا التعليق أكثر من مجرد تهنئة، بل بياناً سياسياً مبطناً ضد الجغرافيا المفروضة، ورسالة عفوية بأن تامازغا — أرض الأحرار — لم تمت، بل ما زالت تنبض في قلوب شعوبها رغم محاولات الطمس والتقسيم.
القبائل التي عانت التهميش والتضييق، رأت في المغرب نموذجًا مختلفًا: بلدٌ استطاع أن يحوّل الهوية الأمازيغية من ملف حساس إلى ركيزة دستورية وثقافية، وأن يدمجها في التعليم والإعلام والمؤسسات الرسمية، دون خوف أو عقدة. لذلك، لم يكن تضامن القبائليين مع “أشبال الأطلس” مجرد عاطفة رياضية، بل موقفًا حضاريًا منسجمًا مع رؤية المغرب لهويته المتعددة والمتصالحة مع ذاتها.
إن انتصار المنتخب المغربي على فرنسا لم يكن فقط فوزًا في ركلات الترجيح (5-4)، بل صفعة رمزية للتاريخ الاستعماري المشترك، وانتصارًا لجيل جديد يكتب فصول الكرامة بلغة القدم والعرق والإصرار. فالمغرب اليوم لا ينتصر فقط في الملاعب، بل ينتصر في معركة الرموز والخيال الجمعي لشعوب المنطقة.
في هذا الفوز، لم تكن “تامازغا الكبرى” فكرة رومانسية، بل حقيقة سياسية وثقافية تنبض بالحياة، تؤكد أن الشعوب الأمازيغية — من سوس إلى جرجرة، ومن الريف إلى الأوراس — ما زالت تؤمن بوحدة القيم والمصير.
ولعل أجمل ما في هذا الحدث أنه أعاد تعريف الوطنية من جديد: وطن لا تحدّه الخرائط، بل تبنيه الذاكرة المشتركة واللغة والأغنية والدموع التي سالت فرحًا على هدفٍ مغربيٍ في مرمى فرنسا.
في زمن الانقسامات، صنع “أشبال الأطلس” ما عجزت عنه السياسات منذ عقود: جمع القلوب تحت راية واحدة… راية مغربٍ أمازيغيٍّ حرٍّ، أصبح قدوة للأحرار في كل شمال إفريقيا.