الصحافة _ وكالات
دخلت قضية معتقلي حراك الريف في المغرب، المدانين بعقوبات سجن يصل بعضها إلى 20 عاماً، على خلفية الحراك الذي انطلق في منطقة الريف شمال الغرب أواخر عام 2016 بعناوين مطلبية اقتصادية واجتماعية خصوصاً، مأزقاً جديداً، بعد التصعيد الذي شهدته الأسبوع الماضي، بفعل تداعيات تسريب تسجيل صوتي لقائد هذا الحراك، ناصر الزفزافي.
الأحداث المتسارعة التي جرت منذ نشر التسجيل، يوم الخميس الماضي، جعلت هذا الملف المفتوح منذ أكثر من عامين، مقبلاً على مزيد من التوتّر، في الوقت الذي كانت فيه بعض الأصوات الحقوقية تأمل حدوث تسوية تنزع فتيله.
وتحدث الزفزافي في تسجيله عن تفاصيل جديدة لتعرضه للتعذيب و”انتهاك العرض” من قبل السلطات الأمنية، لتردّ النيابة العامة رافضة هذه الاتهامات في بيان مطول. وبالتزامن، عمدت المندوبية العامة لإدارة السجون في المغرب إلى اتخاذ إجراءات تأديبية بحق سجناء من الحراك، ما أثار حفيظة ذويهم.
وقالت مصادر حقوقية مطلعة،إن كل محاولات الوساطة التي قامت بها هيئات وشخصيات حقوقية عديدة في الملف، باتت اليوم مجمّدة “بفعل التصعيد الذي نشاهده، سواء من طرف السلطات أو من طرف السجناء وعائلاتهم”.
في المقابل، أعلنت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، أن وفداً يمثل المجلس سيزور (ابتداءً من أمس الأربعاء) جميع المعتقلين المعنيين بالتصعيد الأخير الذي طرأ إثر نشر التسجيل لقائد الحراك، إلى جانب الحراس الذين قالت المندوبية العامة لإدارة السجون إنهم تعرضوا لاعتداءات من جانب السجناء.
وبحسب جمعية عائلات المعتقلين، فإن مجموع السجناء الذين يعتبرون من نشطاء حراك الريف، يقدّر بنحو 55 سجيناً، يتوزعون بين سجون مختلفة. وجاءت آخر مرة استفاد فيها معتقلو حراك الريف من العفو الملكي، بمناسبة عيد العرش الأخير، نهاية يوليو/تموز الماضي، حيث أُفرج عن ثمانية منهم.
ويعتبر المعتقلون المدانون بعقوبات سجنية طويلة، يتقدمهم ناصر الزفزافي ورفاقه في سجن “راس الما” بمدينة فاس، الأكثر إثارة للجدل، إذ يخوضون احتجاجات مستمرة على أوضاعهم داخل السجون، ويبعثون برسائل سياسية عبر محاميهم وعائلاتهم، وهو ما يجعل علاقتهم بالسلطات دائمة التوتّر. وفي الوقت الذي يؤمل فيه تحقيق انفراجة في الملف عبر محكمة النقض (المحكمة العليا)، تتجه جلّ الأنظار نحو العفو الملكي باعتباره الحل الوحيد الممكن.
تفاصيل التصعيد
وفي تفاصيل التصعيد الأخير، فقد بدأ مع تسريب تسجيل صوتي للزفزافي يوم الخميس الماضي، روى فيه تفاصيل جديدة لما اعتبره تعذيباً و”انتهاكاً للعرض” تعرّض له على يد الشرطة.
وجدّد قائد الحراك (منطقة الحسيمة) الذي اندلع أواخر عام 2016، في تسجيله كذلك، تأكيد موقفه باعتبار منطقة الريف شمال المغرب “ضحية لظلمٍ تاريخي من جانب السلطات”، متبرئاً في المقابل من حادث حرق العلم المغربي خلال مسيرة احتجاجية نُظمت في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في باريس، بدعوة من السجناء.
وإثر التسجيل، أقدمت مندوبية السجون، على إيفاد لجنة تحقيق إلى سجن “رأس الما” في مدينة فاس (شمال المغرب)، متخذة قرارات تأديبية في حق مدير السجن وثلاثة من موظفيه، بالإضافة إلى تحويلها ستة سجناء ممن قادوا احتجاجات منطقة الريف إلى السجن الانفرادي. وتتهم المندوبية هؤلاء بالتمرد وتعنيف الموظفين بالسجن، بعد نشر التسجيل.
في هذه الأثناء، خرجت اتهامات جديدة أصدرتها هذه المرة عائلات السجناء، وأكدت فيها تعذيب السلطات للسجناء الستة، مهددة باللجوء إلى الآليات الدولية التي صدّق عليها المغرب.
وقال بيان صادر عن عائلات معتقلي حراك الريف، المرحَّلين سابقاً الى سجن “رأس الما”، إنه “بلغ إلى علم العائلات تعرض المعتقلين السياسيين (نبيل أحمجيق، زكرياء أضهشور، وسيم البوستاتي، سمير إغيذ، وناصر الزفزافي)، لتعذيبٍ شديد، مع إجراءات تأديبية قاسية مفتقدة لأي مبرر مقبول، وصلت إلى حد احتجازهم في الكاشو (الحبس الانفرادي) ومنعهم من الزيارة العائلية والحديث عبر الهاتف لمدة 45 يوماً”.
وغاب عن البيان اسم السجين السادس محمد الحاكي، لأن جمعية عائلات المعتقلين لا تضمّ أياً من أقاربه. وأعرب موقعو البيان عن خشيتهم “من أن يكون الغرض من حرمانهم الزيارة، التغطية على ممارسات التعذيب التي طاولتهم (السجناء)، عبر الاستفادة من مدة زمنية كافية لإخفاء آثار التعذيب الذي تعرضوا له”.
وكشف البيان أن عائلات المعتقلين الستة تقدمت بطلب عاجل موجه للآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، “من أجل وقف التعذيب، وفتح تحقيق عاجل، وإيفاد أطباء شرعيين لمعاينة الحالة الصحية للمعتقلين”، محذراً من أنه “في حال التلكؤ، فإننا سنلجأ للآليات الأممية التي صدّق عليها المغرب، عبر مراسلة وطلب التدخل العاجل للمقرر الأممي المعني بالتعذيب، حفاظاً على حياة أبنائنا وحماية لسلامتهم الجسدية والنفسية”.
ولم يمرّ وقت طويل على تحذير العائلات، حتى ردت المندوبية العامة لإدارة السجون، أول من أمس الثلاثاء، مهاجمة أسر المعتقلين، وكذلك الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي كانت أكدت اتهاماتهم في بيانٍ صدر عنها الإثنين الماضي. وذكرت المندوبية إن الإجراءات التأديبية التي اتخذتها في حق السجناء، “جاءت بسبب المخالفات الخطيرة جداً لمقتضيات القانون المنظم للسجون والنظام الداخلي للمؤسسة السجنية التي ارتكبوها، وذلك برفضهم تنفيذ الأوامر الصادرة عن موظفي المؤسسة السجنية والاعتداء عليهم والتمرد”.
من جهتها، أصدرت النيابة العامة المغربية، ممثلة في الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بمدينة الدار البيضاء، وهي المحكمة التي تولّت محاكمة معتقلي حراك الريف وأدانتهم، أول من أمس الثلاثاء، بياناً هو الأول لها منذ تسريب تسجيل الزفزافي، بعدما تقدمت مندوبية السجون بشكوى لديها ضد السجناء “المتمردين”.
ومتجاهلة شكوى المندوبية، تطرقت النيابة العامة إلى مضمون شريط الزفزافي، وتحديداً شكاويه الجديدة، إذ قال إنه تعرض لهتك عرضه من طرف ضباط الشرطة الذين أوقفوه في مدينة الحسيمة ربيع عام 2017. الزفزافي الذي سبق له أن اشتكى من التعذيب، كشف تفاصيل جديدة، قال إنها جرت خلال توقيفه، من بينها كشف مناطق حميمة من جسده، وهتك عرضه بواسطة عصا خشبية، وتعرضه للتحرش والاعتداءات الجنسية من طرف ضباط الشرطة.
وفي معرض ردّها على الشكوى، أبدت النيابة العامة استعدادها “لإعادة فتح التحقيق، إذا ما قدم المعتقل ناصر الزفزافي أي دلائل أو قرائن جديدة تسمح بذلك”، مذكرة بأن هذه القضية سبق عرضها على القضاء، “حيث كان المعني بالأمر قد ادعى أثناء تقديمه أمام النيابة العامة للمرة الأولى بتاريخ 5 يونيو/حزيران 2017 بحضور دفاعه، أنه تعرض للعنف فقط أثناء إيقافه بالحسيمة، مستدلاً في ذلك بآثار بعض الإصابات الخفيفة التي عوينت عليه حينها، والتي تبين أنها أُثبِتَت في محضر إيقافه، نتيجة المقاومة العنيفة والشرسة التي أبداها لحظة ضبطه في حق عناصر الأمن”. ولفت البيان إلى أن الزفزافي لم يُثر وقتها إطلاقاً واقعة تعرضه لهتك العرض، “وهو الأمر الذي كان بإمكانه إثارته أمام النيابة العامة مباشرة بعد انتهاء المدة القانونية لإيقافه”.
وعاد البيان ليقول إن الزفزافي تحدث للمرة الأولى عن هتك عرضه خلال استنطاقه من طرف قاضي التحقيق، مذكراً بأن المحكمة رفضت الأخذ بهذه الادعاءات لـ”عدم جديتها وثبوتها”، بعد عرضه على خبير طبي.