الصحافة _ كندا
في لحظة مفصلية من تاريخها التنموي، وقّعت المملكة المغربية أكبر شراكة استثمارية في تاريخها، بقيمة تفوق 12.5 مليار يورو، بهدف مواجهة التحديين الاستراتيجيين: الماء والطاقة، بعد سبع سنوات عجاف من الجفاف وتبعية مزمنة لاستيراد الطاقة.
المشروع الضخم، الذي وصفته الصحافة الإسبانية بـ”عقد القرن”، يجمع بين الوكالة الوطنية للكهرباء والماء وصندوق محمد السادس للاستثمار من جهة، وشركتي “طاقة” الإماراتية و”ناريفا” المغربية التابعة لمجموعة المدى من جهة أخرى. وهو تحالف لا يكتفي بالبنية التحتية، بل يطمح إلى إعادة صياغة مفهوم السيادة الطاقية والمائية على أسس استثمارية خالصة، دون دعم حكومي مباشر.
وحسب ما نشرته يومية El Pais، يتضمن الاتفاق إنشاء خط كهربائي عالي التوتر بطول 1400 كيلومتر يمتد من الجنوب نحو المناطق الصناعية بشمال المملكة، إلى جانب تشييد ثلاث مزارع رياح كبرى بين بوجدور والداخلة، ومحطة غازية مزدوجة الدورة بطنجة، إضافة إلى محطات لتحلية مياه البحر في طنجة والناظور وسوس، ومشاريع زراعية مائية على امتداد الساحل الجنوبي.
من أبرز معالم هذا المشروع الطموح، ما سُمي بـ”طريق الماء السريع”، الذي سيمكن من نقل المياه من الشمال إلى المناطق الأكثر كثافة سكانية، خاصة محور الرباط ـ الدار البيضاء، حيث يعيش أكثر من ثلث سكان المغرب. مشروع يعكس التحول من منطق التدبير إلى منطق السيادة، خصوصًا في ظل الندرة المتزايدة للموارد الطبيعية وتغيرات المناخ.
ويأتي توقيع هذا الاتفاق في سياق إقليمي حافل بالتوتر، لا سيما مع الجارة الجزائر، التي تملك حصة في شركة “ناتورجي” الإسبانية التي كانت محور مفاوضات معطلة مع الجانب الإماراتي. انسحاب “طاقة” من صفقة مع “ناتورجي” وفشل المحادثات بينهما يعطي إشارات واضحة على أن التحالف المغربي الإماراتي يعيد ضبط موازين القوى، ويمتد بتأثيره إلى الساحة الاقتصادية الأوروبية.
لكن وراء هذا المشروع الطموح تظل أسئلة مشروعة حول آليات التمويل، ونزاهة التعاقدات، وضمان التوازن بين المستثمر العمومي والخاص. فعلى أهمية هذه الشراكة التي تفتح أبواب السيادة الطاقية، فإن كسب ثقة المواطن يتطلب شفافية في التتبع، ومساءلة في التدبير، وحكامة تحمي مصالح الدولة من منطق الريع أو التركيز الاحتكاري.
إنه منعطف اقتصادي جديد، يحمل وعدًا باستقلالية استراتيجية، لكن نجاحه لن يُقاس فقط بالكيلومترات والأسلاك، بل بمدى قدرة المغرب على جعل التنمية مكسبًا سياديا لا صفقة ظرفية.