بقلم: عبد المجيد مومر الزيراوي
“ينبغي أن لا تُستخدم الاختلافات على أساس العرق أو الجنس أو الجنسية أو الدين أو غيرها كذريعة لإنكار أي حق أو امتياز للمعاملة كإنسان “. روزا باركس
يبدو أن أعراض الهلع قد تمكّنت من قلوب سادة الأحزاب المغربية بعد سماعهم لذبْذَبات الأصوات المطالِبة بحكومة الإنقاذ. حيث لجأ خُدَّامُهُم المُضَلِّلون إلى رفع كلمة حق يريدون بها باطلا ، و أكثروا الحديث عن ضرورة إحترام الإختيار الديمقراطي للدولة المغربية. فَبالَغوا بحَصر تعريف الديمقراطية في الانتخابات التي تعبر فقط عن إرادة الناخبين، و تناسوا أن مرجعياتهم الأبوية لا تقبل الإعتراف بمشروعية حقوق الانسان كَكُلٍّ لاَ يتجزأ و التي تكتسي أهمية بالغة في التأسيس لمجتمع المواطنة الدستورية و الديمقراطية الحقة.
و لأن المناسبة شرط، فالتمثيلية الانتخابية هي آلية أساسية إلاَّ أن أحزابها برهنَت على فشلها الذريع في حسن تنزيل مكتسبات الإختيار الديمقراطي في مجال الحقوق و الحريات، و باتت هذه الشرعية التمثيلية المَرجُوَّة تبحثُ بدورها عن أحزاب مدنية حقيقية تجسد بمرجعياتها و تشريعاتها المتنورة انتصارَ القيمِ الديمقراطية الفضلى. و كما لا يخفى على الجميع، فإن تجارب العديد من الدول نتابعُها تحافظ على سيرورةِ إنتخاباتٍ دوريةٍ منتظِمةٍ، غير أن الديمقراطية فيها مجرد شكل هندسي صندوقي مُجَوَّف سرعان ما تُحرَقُ أوراقُه الإنتخابية كي تتحول إلى رماد حقوقي و كساد تنموي.
هكذا – إذن- تتجلَّى للعيان نماذج عقائد الأحزاب التسلطيَّة و سياساتها الإنتهازية داخل المؤسسة التشريعية المغربية، و التي تجعل من مفهوم الإختيار الديمقراطي مطيَّة انتخابية بحمولة حقوقية مُعتَلَّة، و بلا منجزات اقتصادية تنموية. حيث تتعمّد هذه الأحزاب إختزال معاني الديمقراطية في آلية الوصول إلى ممارسة السلطة، و باسم ديكتاتورية المرجعيات الحزبية و تمثيليَّتها البرلمانية الصورية يتم منع إستكمال تشريع الحقوق و الحريات الفردية، و يتم وأد المكتسبات الدستورية.
و هنا يا سادة الأحزاب المغربية ؛ أسألكم بالله عن أي اختيار ديمقراطي تتَحدثون ؟!.
فإذا كانت غاية الاختيار الديمقراطي الدستوري تتجسد في بناء مجتمع التنوع و العدالة القائم على المساواة و تكافؤ الفرص و التشاركية و محاربة التمييز و الإقصاء و المعاملة الانتقائية. فلماذا تستمر أحزاب التمثيلية الإنتخابية في منع التحرر من الفقر المدقع و منع التحرر من الخوف القاتل ؟!. بل كيف لها أن تنتهز الفرصة الديمقراطية من أجل شرعنة نبذ حقوق الأقليات، و التحريض على التمييز و عدم المساواة في الوصول إلى الموارد و الفرص؟!.
و إذا كانت مطالب الأقليات حقوقا مشروعة و يتم التعبير عنها بأساليب قانونية سلمية، و لا تشكل أي تهديد للتوابث الدستورية للأمة المغربية. فلماذا يتحول الهاجس المُتَحَكِّم في مرجعيات الأحزاب إلى ترجيعِ صدى تأويلات مُتَسَفْسِطَة تهدم منظومة حقوق الإنسان و تمنع الوصول إلى شفرة التحضر و توطيد اللحمة المجتمعية؟!.
إن حقوق الأقليات هي حقوق كل إنسان و لو إختلفت تمثُّلاتها و تمظهراتها. لذا يستوجب علينا حماية هذه الأقليات المضطهدة و المقموعة حفاظا على قيم الإختيار الديمقراطي الحقيقية التي تؤسس لشرط أساسي لا غنى عنه قصد ضمان الحياة الكريمة للجميع. فلا توجد أية مبررات تجعل حقوق المثلية أدنى من مثيلاتها من حقوق الانسان لكي تكون محط قضم و هضم برلماني.
بل يجب الوعي بأنه حين ترفض الأحزاب المغربية الانتصار للحرية، و لا تقف بالمرصاد أمام اعتداءات القمع الممنهج لحقوق الآخر. فذاك يسمح لنا بالمزيد من التأكيد على أنها أحزاب لا تناضل من أجل غايات الاختيار الديمقراطي المثلى باعتباره من التوابث التي تستند عليها الأمة المغربية. و إنما هي تعتمدُه بمنتهى الانتهازية وسيلةً للتحكم في المؤسسة التشريعية و الحكومية قصد رعاية مصالحها الحزبية الخاصة و منع حماية الحريات الشخصية و الحقوق الإنسانية.
و أكاد أجزم بالحقيقة حين أصارحكم بالقول أننا أمام عقائد حزبية ترفض الإلتزام بالتصدير الذي لا يتجزأ عن أحكام الميثاق الأسمى للأمة المغربية. و الذي أكد على أنه وفاءً لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، فإن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا.
نعم ؛ إننا نقف مشدوهين أمام عقائد حزبية لا تؤمن بأن جميع البشر متساوون في الحقوق – بغض النظر عن جنسهم أو ميولهم الجنسي أو هويتهم الجنسانية- ، و لهم الحق في التمتع بأوجه الحماية التي ينص عليها الدستور و مواثيق حقوق الإنسان، بما في ذلك إحترام حقهم في الحياة و حقهم في السلامة و الأمان و إحترام خصوصيتهم، و الحق في عدم إخضاعهم للاعتقال تعسفيا، والحق في عدم تعرضهم للعنف و التمييز، و حقهم في حرية الرأي و الفكر و حرية الاشتراك في الجمعيات و التجمعات السلمية.
إننا أمام عقائد حزبية تسفك دم الاختيار الديمقراطي بقبولها تجريمَ حقوق الأفراد و المجموعات غير المهيكلة المُدافِعة عن الأقليات الجنسية. و رفضها تجريمَ كل أشكال الممارسات التي تضر بكرامة هذه الفئة من المجتمع المغربي. ثم تقوم بتجنيد أذرعها الحزبية للدفاع عن المتورطين في الإعتداء الجنسي و هتك الأعراض قصد تأمين إفلاتهم من العقاب .و تتَخلَّف عن إنصاف ضحايا العنف الجنسي و الاغتصاب و التشهير.
ومنه، و كيْ تَضمن هذه الأقليات حقها الإنساني و الدستوري في التحرر من الخوف و التحرر من العوز، فإن الأحزاب الممثلة داخل البرلمان المغربي مطالبة بضرورة الإسراع في استكمال التشريع القانوني لحماية حقوق المثليات و المثليين و مزدوجي الميل الجنسي و مغايري الهوية الجنسية من جميع أشكال العنف و التمييز. و التي تتطلب إبطال القوانين التي تُجرم المثلية الجنسية، و إجراء تعديلات جديدة على فصول القانون الجنائي و دمج الحقوق المخصوصة بهم، حتى يتناسب هذا القانون مع مكارم الاختيار الديمقراطي الدستوري و المعايير المتعارف عليها عالميا لاحترام حقوق الإنسان.
و عند الختم ، لا بد من تنبيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى ضرورة الوفاء بالتزاماته الدستورية و القانونية، و الدفاع عن حقوق الإنسان الخاصة بالمثليات و المثليين و مزدوجي الميل الجنسي و مغايري الهوية الجنسية. و ذلك بهدف حماية المساواة في الحقوق و رعاية الكرامة لجميع المواطنات و المواطنين استنادً إلى أحكام الدستور و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.